الخميس، 15 مايو 2025

08:47 م

الاقتصاد السوري ومرحلة ما بعد رفع العقوبات، بداية التعافي أم خطوة سياسية؟

الخميس، 15 مايو 2025 05:26 م

ترامب والشرع

ترامب والشرع

تحليل/ كريم قنديل

في لحظة دراماتيكية ستبقى محفورة في ذاكرة السوريين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض، خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. 

البيت الأبيض: ترامب دعا الشرع للانضمام لاتفاقات أبراهام مع إسرائيل وترحيل  الإرهابيين الفلسطينيين
ترامب والشرع

الإعلان الذي جاء كالصاعقة في المشهد السياسي والاقتصادي، حوّل الأنظار فجأة نحو دمشق، التي وجدت نفسها أمام منعطف حاسم في مسارها نحو التعافي بعد أكثر من عقد من العزلة الدولية والانهيار الاقتصادي.

من العزلة إلى الانفتاح

وصلت العقوبات الاقتصادية نحو 2879 عقوبة اقتصادية كانت تخنق الاقتصاد السوري منذ عام 2011، استهدفت كل ما يمكن أن يبقي دولة على قيد الحياة، التجارة، النفط، التحويلات المالية، السفر، الأدوية، وحتى مواد البناء. 

وقد تركت تلك العقوبات أثرًا كارثيًا، خسائر تجاوزت 530 مليار دولار، تراجع إنتاج النفط بنسبة 90%، ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 15,000 ليرة في السوق السوداء، وتضخم انفجاري تخطى 130%.

سوريا كانت شبه معزولة عن النظام المالي العالمي، عاجزة عن استيراد المواد الأولية أو حتى تشغيل مصانعها، حيث توقفت أكثر من 70% من المصانع الصغيرة والمتوسطة عن الإنتاج، لكن قرار رفع العقوبات، يُعد بمنزلة قبلة الحياة للاقتصاد السوري.

استعادة الحق أم خطوة سياسية؟

أن تخرج سوريا أخيرًا من الغيبوبة الاقتصادية، هذا القرار يعكس إرادة سياسية تتجاوز التعقيدات القانونية، في ظل الأغلبية الجمهورية التي يتمتع بها ترامب في الكونجرس، وأن التجارب السابقة مع ترامب أثبتت أن توقيعه وحده كفيل بإحداث تغييرات جوهرية، كما حدث مع قرارات سابقة بإقالة مسؤولين أو إغلاق وزارات.

إن العقوبات كانت ظالمة، وأن رفعها هو حق استرده الشعب السوري، لا سيما أن الذريعة الأميركية في معاقبة النظام السابق فقدت مبررها مع تغير الواقع السياسي في البلاد.

أحمد الشرع...
أحمد الشرع

تحولات لافتة وفرص كامنة

واحدة من أهم الإشارات على التحول الحاصل كانت الزيارة التاريخية للرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا ولقاؤه بترامب، وهي سابقة تشير إلى عودة دمشق إلى طاولة العلاقات الدولية، لكن ماذا يعني هذا فعليًا للاقتصاد السوري؟

إن الأولوية القصوى تتمثل في إعادة سوريا إلى نظام "سويفت" العالمي، ما سيسهل عمليات التحويل المالي ويعيد ضخ السيولة اللازمة للاقتصاد المحلي، وأكد أن الأثر الأولي لقرار رفع العقوبات كان نفسيًا، حيث ارتفعت الليرة بنسبة 28% في السوق السوداء لتسجل 8100 ليرة للدولار، قبل أن تبدأ في التراجع مجددًا.

النفط شريان الحياة ينتظر الترميم

قبل الحرب، كانت سوريا تنتج أكثر من 380 ألف برميل نفط يوميًا، اليوم لا يتجاوز الإنتاج 30 ألف برميل، ومع الدمار الهائل في البنية التحتية النفطية، يُعوّل الخبراء على عودة شركات كبرى مثل توتال وشل لتأهيل هذا القطاع الحيوي، إلى أن بعض الشركات الأميركية بدأت بالفعل في الضغط للعودة إلى السوق السورية.

ماذا ينتظر اقتصاد سوريا بعد استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية؟ : CNN  الاقتصادية
اقتصاد سوريا

العقبات على الطريق

لكن رفع العقوبات لا يعني بالضرورة نهاية الأزمات، فالطريق إلى التعافي مليء بالعقبات:

الاستقرار الأمني: لا استثمار بلا أمان، ورغم ما يُشاع عن جبن رأس المال، إلى أن رأس المال حكيم ولن يخاطر في بيئة غير مستقرة.

الفجوة في سعر الصرف: الفارق بين السعر الرسمي للدولار والسعر في السوق الموازية يخلق بيئة طاردة للاستثمار.

تشريعات الاستثمار: حماية المستثمر، شفافية العقود، وتوفير بيئة قانونية سليمة هي شروط أساسية لأي تدفق مالي خارجي.

التأهيل المؤسسي: صندوق النقد الدولي أرسل فريقًا فنيًا إلى دمشق لتأهيل الكوادر المصرفية ووضع أساس جديد للقطاع المالي، ما يُعد مؤشرًا على انفتاح حذر من المؤسسات الدولية تجاه دمشق.

بين السياسة والاقتصاد

لا اقتصاد بلا سياسة، وإن فهم الاقتصاد السياسي هو مفتاح إدارة المرحلة المقبلة، فالحكومة السورية مطالبة اليوم ببناء مصالح متوازنة مع الشركاء الدوليين والعرب دون التفريط بالإرادة الشعبية، وهو ما نجحت به دول الخليج.

بداية الطريق لا نهايته

رفع العقوبات خطوة تاريخية، لكنها ليست نهاية المشوار، إنه بداية مسار طويل ومعقد، يحتاج إلى إصلاحات عميقة، انفتاح محسوب، وإعادة إعمار متأني.

الكرة الآن في ملعب دمشق، فإما أن تستثمر هذه اللحظة التاريخية، أو أن تضيعها كما ضيعت فرصًا سابقة، فهل تكون هذه المرة مختلفة؟ الأشهر المقبلة وحدها ستحمل الإجابة.

Short Url

showcase
showcase
search