الأربعاء، 14 مايو 2025

05:24 م

«قناة السويس» من ممر تجاري إلى مركز تحكم استراتيجي في التجارة العالمية

الأربعاء، 14 مايو 2025 11:35 ص

قناة السويس

قناة السويس

تحليل/ ميرنا البكري

في وقت العالم كله يمر بأزمات اقتصادية وأمنية، وممرات التجارة أصبحت غير مستقرة، قررت مصر أن تتحرك في أكثر من اتجاه. 

كما بدأت في فتح مصانع جديدة تصدر وتوفر فرص عمل للناس، ومن جانب آخر تحاول أن تحافظ على مكانة قناة السويس كممر تجاري مهم في العالم، خصوصًا في ظل المشاكل التي تحدث في البحر الأحمر.

الأحداث في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ليس مجرد أخبار عن مصانع أو قرارات عادية، بل جزء من خطة استراتيجية كبيرة. هذه الخطة هدفها جذب استثمارات، وتزويد التصدير، والمحافظة على العملة الصعبة، وكل ذلك  في وقت الظروف به صعبة على مستوى العالم بأكمله.

في هذا التحليل، سنستعرض الأحداث الجارية خلف الكواليس في ملف الاستثمار والتجارة، كما سنسلط الضوء على أهمية إنشاء المصنع التركي الجديد في مصر، والدلالات والرسائل التي يحملها هذا المشروع. كذلك سنتناول الخطوات التي تتخذها قناة السويس للحفاظ على مكانتها كممر تجاري عالمي في ظل التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، خاصة في البحر الأحمر. والسؤال المطروح هنا: هل هذه الخطوات تأتي بشكل منفصل وعشوائي؟ أم أن هناك خطة استراتيجية شاملة.

Picture background
مرور السفن عبر القناة

أولاً،مصنع بـ 60 مليون دولار، ويذهب كله للتصدير

افتتحت شركة "حياة مصر"  (ذراع شركة حياة التركية)  مصنع جديد لإنتاج "لفائف الورق الجامبو"، وهي المادة الخام الأساسية التي يتصنع منها المناديل بجميع أنواعها، بلغت  استثمارات المصنع 60 مليون دولار، بطاقة إنتاجيه تصل إلى  60 ألف طن سنوياً، مخصصة بالكامل للتصدير بقيمة تقديرية 75 مليون دولار سنوياً، كما يوفر ذلك المصنع  198 فرصة عمل جديدة، ورفع إجمالي فرص العمل في حياة مصر لـ3490.

هذا المصنع لن يدخل عملة صعبة فقط، لكنه يعزز صورة مصر كمركز تصنيع إقليمي، يعتبر الاستثمار  جزء من خطة أكبر، حيث ضخت شركة حياة في مصر إجمالي 632 مليون دولار، مما يجعلها أكبر مستثمر تركي في البلد، وووجودها في منطقة قناة السويس يعني إنها تستفيد من قربها للموانئ وسلاسل التصدير، وهو عنصر جذب لأي مستثمر يبحث عن التكلفة والسرعة.

ويُتوقع، إذا تكررت هذه التجربة مع شركات أخرى، قد تصبح مصر مركز عالمي لإنتاج السلع الاستهلاكية الموجهة للتصدير، خاصة للأسواق الإفريقية والشرق أوسطية.

اقرأ أيضًا: من قناة السويس إلى السوق العالمي، استثمارات ضخمة لتطوير الصناعة البحرية

 قناة السويس ترد على التحديات، بخصومات وتحالفات

هيئة قناة السويس قررت تبدأ من يوم 15 مايو 2025 أن تقدم خصم 15% على رسوم عبور سفن الحاويات العملاقة التي حمولتها 130 ألف طن أو أكثر، وذلك لمدة 90 يوم، هذه الخطوة تأتي لكي تدعم الخطوط الملاحية التي تأثرت بزيادة تكاليف التأمين، وأيضًا لكي تحاول أن ترجع السفن التي غيرت مسارها مؤقتًا بسبب التوترات التي تحدث في البحر الأحمر. الهدف في الآخر إن القناة تظل محافظة على مكانتها كممر تجاري مهم في العالم، حتى وسط هذه الظروف الصعبة. 

يعتبر هذا القرار  استجابة سريعة لضغوط السوق، ويعكس مرونة الهيئة، ويعوض جزئياً التراجع الحاد في الإيرادات: من 2.4 مليار دولار في الربع الأخير من 2023 إلى 880.9 مليون دولار في نفس الربع من 2024، وإذا أحدثت هذه الخصومات نتائج على المدى القصير، من الممكن أن تمددها الهيئة أو توسعها لتشمل فئات أكثر، وتحافظ على دخلها الدولاري الحيوي.

اقرأ أيضًا: تطبيق تخفيض 15% على رسوم مرور بعض السفن بقناة السويس فى هذا الموعد (انفوجراف)

أحدث وأكبر سفن العالم تعبر قناة السويس

إيطاليا وقناة السويس، تحالف بحري وسياحي

في لقاء مهم جمع بين الفريق أسامة ربيع 0رئيس هيئة قناة السويس)، والسفير الإيطالي ميكيلي كواروني، تحدثوا عن عدة نقاط مهمة، ناقشوا كيفية تزويد التعاون في صيانة السفن وبناء الوحدات البحرية، أيضًا ركزوا على تنشيط السياحة البحرية وتشجيع مرور اليخوت الإيطالية من القناة. ومن ضمن الأفكار المطروحة، إنهم يشجعوا هذه اليخوت لترسو في المارينات السياحية في مصر بدلًا من الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، مما يوفر وقت وتكاليف ويعزز السياحة.
القناة  ليست ممر تجاري فقط،بل  تدريجياً لمركز خدمات بحرية وسياحية، والتعاون مع إيطاليا، التي لديها أقوى أساطيل سياحية في أوروبا، قد يفتح الباب لسوق جديد تماماً،وإذا تم تفعيل هذا التعاون، قد تضيف السياحة البحرية  دخل جديد لقناة السويس، وتجعلها أقل عرضة لصدمات الملاحة التجارية.

 هل قناة السويس فقدت مكانتها؟ أم مازالت في الملعب؟

مع ارتفاع المخاطر في البحر الأحمر، حولت بعض شركات الملاحة الكبرى طريقها لجنوب إفريقيا، لكن القناة مازالت لديها ورقتين مهمتين وهما، المسافة الأقصر والتكلفة الأقل، والبنية التحتية المتطورة والدعم الحكومي المتواصل، والخصومات وحوافز الهيئة ليس مجرد رد فعل، بل محاولة استراتيجية للحفاظ على النصيب من السوق.

اقرأ أيضًا: متحدث الحكومة: التعاقد على 274 مشروع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس

ختامًا، الرسالة التي تصل من كل التطورات الأخيرة واضحة، مصر تراهن على بناء اقتصاد حقيقي قائم على التصنيع، والتصدير، والخدمات البحرية المتكاملة، حيث يقدم مصنع "حياة"  نموذج للاستثمار الإنتاجي الذكي الذي يركز على خلق قيمة مضافة وفرص عمل، وليس ضخ أموال فقط.

في الوقت نفسه، قناة السويس تعود للعب دورها الاستراتيجي ليس كمجرد مصدر دخل دولاري، بل كمركز تحكم حقيقي في حركة التجارة العالمية، مما يعزز موقع مصر في سلاسل الإمداد الدولية، وإذا استطاعت الدولة أن تكرر النموذج في قطاعات أخرى، فهذا يعني إننا نخطو فعلاً على طريق بناء اقتصاد أكثر استدامة وربحية، قادر على أمام الأزمات العالمية ويوفر فرص حقيقية للنمو.

Short Url

showcase
showcase
search