الأربعاء، 14 مايو 2025

12:04 م

تراب القمر على الأرض مجددًا، كنز علمي يعود بعد نصف قرن

الأربعاء، 14 مايو 2025 09:30 ص

تراب القمر

تراب القمر

تحليل/ كريم قنديل

في مشهد يعكس تحولًا عميقًا في موازين القوى العلمية والاقتصادية عالميًا، استقبلت المملكة المتحدة مؤخرًا عينة نادرة من تراب القمر مصدرها الصين، وهي أول دفعة من نوعها يتم إعارتها لباحث غربي. 

كيف يبدو سطح القمر
سطح القمر

هذه الخطوة، التي تبدو في ظاهرها علمية بحتة، تحمل في طياتها إشارات اقتصادية واستراتيجية تعكس طموحات بكين المتنامية لتبوء بموقع الريادة في اقتصاد الفضاء.

الصين قوة فضائية تصدر المعرفة

أن تُعير الصين هذه المادة النادرة الأغلى من الذهب كما وصفها العلماء للبحث في بريطانيا، هو مؤشر على تغير جذري في موقع الصين داخل النظام العلمي العالمي، فبدل أن تكون دولة طالبة للمعرفة والتقنيات الغربية كما في العقود الماضية، أصبحت اليوم مصدرًا للمعرفة العلمية الدقيقة، بل وتحدد هي شروط التعاون.

ورغم أن هذه الإعارة جزء من مبادرة علمية مفتوحة شملت علماء من روسيا واليابان وأوروبا، فإنها تخدم أيضًا غرضًا دبلوماسيًا ناعمًا، تسويق الصين كقوة مسؤولة ومنفتحة في الفضاء، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين بكين والغرب في ميادين أخرى، من التجارة إلى الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضًا:

«سبيس 42» تُواصل ريادتها في قطاع الفضاء بإيرادات تجاوزت 600 مليون دولار

دعم المشاريع الناشئة والابتكار بقطاع الفضاء أبرز توصيات مؤتمر «نيوسبيس أفريقيا 2025»

تراب القمر مورد استراتيجي لا يُقدر بثمن

العينة التي وصل وزنها إلى كيلوجرامين جُمعت في مهمة “تشانغ إي 5” عام 2020 من منطقة بركانية تدعى مونز رومكر، وهي واحدة من أحدث مناطق الهبوط القمري وأكثرها غموضًا من حيث التكوين الجيولوجي. 

هذه العينات قد تحمل أدلة حاسمة حول أصل القمر، وربما الأرض نفسها، وفقًا لنظرية اصطدام الأرض بجسم بحجم المريخ قبل 4.5 مليار سنة.

لكن الأهمية لا تتوقف عند العلم فقط، في عالم تتزايد فيه الرهانات على اقتصاد الفضاء، فإن القدرة على استخراج وتحليل الموارد القمرية قد تشكل حجر الأساس لصناعات فضائية مستقبلية، تشمل التعدين خارج الأرض، والطاقة، وحتى إنشاء مستوطنات بشرية.

مع انتعاش اقتصاد الفضاء .. ما المنافع التي سيضيفها للعالم؟
اقتصاد الفضاء 

اقتصاد الفضاء في مواجهة الجغرافيا

تحليل القيمة لتراب القمر لا يتعلق بسعره مقابل الذهب فقط، بل بمدى القدرة على تحويل الموارد الفضائية من رموز علمية إلى أدوات اقتصادية. 

ولذلك يبرز طموح الصين كمحرك لتغيير جذري في قواعد الاقتصاد العالمي، حيث تصبح الجغرافيا الأرضية أقل أهمية من القدرة على الوصول إلى موارد خارجها.

وفي هذا الإطار، فإن إطلاق الصين لمهمة “تشانغ إي 6” في 2024، وجلب عينات من الجانب البعيد للقمر، يعزز هذا التوجه، فالصين لا تكتفي بالاستكشاف، بل تسعى لبناء بنية تحتية دائمة للتنقيب الفضائي، في وقت لا تزال فيه وكالات الفضاء الغربية تتردد أو تعاني من نقص التمويل.

اقرأ أيضًا:

«اقتراب حروب الفضاء»، الولايات المتحدة تطلب أفكار عن صواريخ اعتراضية فضائية

الصين تتقدم بخطوة جديدة في تكنولوجيا الاتصالات بإطلاق قمر صناعي تجريبي

عام واحد فقط لاستهلاك العينة بالكامل

الجانب الآخر من القصة هو محدودية الفرصة المتاحة للعلماء البريطانيين، إذ أن العينة الصغيرة الممنوحة ستكون محل تحليل مكثف باستخدام تقنيات الليزر والتسخين إلى 1400 درجة مئوية، لاستخراج عناصر مثل الكربون والنيتروجين والغازات النبيلة. 

وسيتم تحليل نسبة الأوكسجين أيضًا، لكن الملفت هو أن هذه العينة ستُستهلك بالكامل خلال هذه الأبحاث، ما يعكس كمّ الندرة الهائل لموارد مثل هذه، ويضع قيمتها في مصاف الموارد الاستراتيجية التي يمكن أن تُوظف اقتصاديًا أو دبلوماسيًا.

الصين تُطلق مركبة تشانغ إي-6 لاستكشاف الجانب البعيد من القمر - رمسات عُمانية
الصين وتكنولوجيا الفضاء

هل تدخل الصين بورصة الموارد الفضائية؟

بينما لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بتفوقها التكنولوجي في الفضاء، فإن الصين، بخطى محسوبة واستثمارات ضخمة، بدأت تُشكل بورصة جديدة للموارد الفضائية، ليس فقط بمعناها المادي، بل بما تمثله من تفوق معرفي واقتصادي. 

إعارة تراب القمر لبريطانيا ليست سوى إشارة أولى، الموارد الفضائية بدأت تدخل سوق العلاقات الدولية، والصين تتصدر المشهد.

Short Url

showcase
showcase
search