الخميس، 08 مايو 2025

03:58 م

الرياضة في مصر.. حينما تكشف الأرقام الوجه الخفي للأزمة

الخميس، 08 مايو 2025 01:09 م

كرة القدم المصرية

كرة القدم المصرية

تحليل/ كريم قنديل

في زمن الأزمات، لا تتحدث الأرقام فقط عن الخسائر، بل تبوح بما هو أعمق، عن أولويات الدولة، واستراتيجياتها الصامتة، ومدى صلابة مؤسساتها في مواجهة العواصف. 

الرياضة المصرية

وعام 2020، الذي اتسم عالميًا بجائحة كورونا وتبعاتها، شكّل اختبارًا قاسيًا لقطاع الرياضة المصري، لكن ما تكشفه الأرقام الرسمية لا يحمل فقط مؤشرات انحدار، بل يكشف عن تصميم ضمني على الصمود، وإشارات لعدالة تنموية بدأت ملامحها تتبلور بقوة.

تراجع الأندية.. قراءة في المؤشرات لا في الأرقام فقط

انخفاض عدد الأندية الرياضية من 746 ناديًا في 2019 إلى 722 ناديًا في 2020 بنسبة 3.2% قد يبدو في ظاهره تراجعًا، لكنه في حقيقته مؤشر مزدوج، فمن ناحية يعكس واقعًا قاسيًا فرضته الجائحة من حيث إغلاق المرافق العامة، وتعليق الأنشطة، وتوجيه الموارد إلى القطاعات الحيوية كالصحة، لكنه من ناحية أخرى يكشف أن نسبة التراجع لا تزال محدودة مقارنة بحجم الضربة التي تلقاها الاقتصاد ككل.

بلغة الأرقام، نحن أمام انخفاض مقبول ضمن سياق عالمي شهد فيه العديد من الدول انهيار أنظمة رياضية بالكامل. 

وهذا يحمل دلالة مهمة، الدولة المصرية لم تتخلَ عن قطاع الرياضة رغم الضغوط، بل حافظت على شبكة الأندية والمراكز الشبابية بدرجة كبيرة، ما يدل على وعي بأهمية هذا القطاع كأداة استقرار مجتمعي وصحي، خصوصًا بين فئة الشباب.

الفرق الرياضية... تراجع طفيف يعكس واقعًا مرحليًا لا هيكليًا

انخفاض عدد الفرق بالأندية من 16,080 فريقًا إلى 15,558 فريقًا بنسبة 3.2%، يعزز نفس الاستنتاج السابق، نحن أمام انكماش مرحلي فرضته الظروف الصحية وليس أمام انهيار هيكلي. 

فالملاعب كانت شبه مغلقة، والاختلاط ممنوع، والمباريات مُعلقة، لكن الحفاظ على هذه الأرقام رغم ذلك، يعكس وجود خطط طوارئ حافظت على الحد الأدنى من النشاط لضمان سرعة التعافي بمجرد تحسّن الأوضاع.

أساطير كرة القدم

اللاعبون.. قراءة في انخفاض الكتلة البشرية الرياضية

الرقم اللافت في التقرير هو انخفاض عدد اللاعبين من 224.6 ألف لاعب في 2019 إلى 211.4 ألف لاعب في 2020، أي فقدان نحو 13.2 ألف لاعب، بنسبة 5.9%، هذا الانخفاض يتجاوز مجرد تراجع النشاط، ليطرح تساؤلات اقتصادية واجتماعية أعمق:

  • هل تعرّضت الأسر لضغوط مالية جعلت الإنفاق على الأنشطة الرياضية رفاهية؟
  • هل اختار الكثير من اللاعبين الابتعاد خوفًا من العدوى؟
  • أم أن هناك قصورًا في استيعاب اللاعبين في ظل الظروف الاستثنائية؟

في كل الأحوال، هذه الأرقام تمثل تحديًا للقطاع الرياضي، لأنها تشير إلى ضعف في الحفاظ على الكتلة البشرية المشاركة، ما يستوجب خطط استقطاب سريعة في مرحلة ما بعد الأزمة.

المباريات.. خسائر تشغيلية وانكماش في الطلب على الفُرجة

انخفاض عدد المباريات من 84.9 ألفًا إلى 73 ألفًا بنسبة 14.1% لا يعني فقط أن الملاعب أصبحت صامتة، بل يشير إلى خسائر اقتصادية غير مباشرة، كل مباراة كانت تخلق نشاطًا اقتصاديًا صغيرًا، من بائع العصائر إلى منظمي الأمن، ومن النقل إلى الإعلام المحلي. 

انخفاض هذا العدد يعني أن مئات الوظائف المؤقتة فقدت مورد رزقها، ما يعيدنا إلى أهمية الرياضة كرافعة اقتصادية خفية.

المدربون

المدربون.. مفاجأة في قلب العاصفة

في مفارقة لافتة، ارتفع عدد المدربين من 10.2 ألفًا إلى 11.3 ألفًا بنسبة 11.1%، ما يمثل بارقة أمل في وسط عاصفة التراجع، هذه الزيادة تحمل أكثر من تفسير، قد تكون نتيجة سياسة توظيف جديدة من الدولة لدعم سوق العمل الرياضي، أو مؤشر على خطط تأهيل واسعة تمت خلال فترة التوقف، كاستثمار في الكوادر تحضيرًا لعودة أقوى.

في كلتا الحالتين، الارتفاع في عدد المدربين يعكس رهان الدولة على العنصر البشري كرافعة أساسية لأي إصلاح رياضي حقيقي.

ذوو الهمم حيث يصبح الاستثمار الاجتماعي هو العنوان الأكبر

ربما الجانب الأكثر إشراقًا في تقرير 2020 هو ذلك المتعلق بذوي الصعوبات، الذين أصبحوا حاضرين بقوة في خريطة النشاط الرياضي الوطني.

أن نصل إلى 2,194 فريقًا لذوي الهمم، يضم 15,173 لاعبًا، ويشاركون في 3,836 مباراة، تحت إشراف 715 مدربًا، فهذا ليس رقمًا فقط، بل شهادة سياسية واقتصادية على أن الدولة باتت تُدرج الدمج الاجتماعي كأولوية فعلية لا شعاراتية.

هذا الاستثمار ليس خيريًا بل تنمويًا، فتمكين هذه الفئة يعزز الإنتاجية، ويقلل من أعباء الرعاية، ويخلق أفقًا جديدًا لسوق العمل في قطاعات التدريب، والتأهيل، والرعاية النفسية والبدنية.

ملاعب كرة القدم

الرياضة ليست رفاهية إنها استثمار في المستقبل

ما يكشفه تقرير 2020 هو أن الرياضة في مصر ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل سياسة تنموية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية متعددة.

إنها أداة للحد من الانحراف والعنف بين الشباب، ووسيلة لتعزيز الصحة العامة وتقليل الضغط على قطاع الرعاية الصحية، ومنصة لصناعة الفرص الاقتصادية في التدريب والتسويق والبث والإدارة.

ورغم التراجع في الأرقام، فإن الدولة حافظت على الحد الأدنى الحيوي لاستمرار هذا القطاع، والأهم من ذلك، أنها استثمرت في الفئات المهمشة، ودعمت الكوادر الفنية، تمهيدًا لعودة قوية في مرحلة ما بعد كورونا.

الأرقام تتراجع.. لكن البوصلة لم تنحرف

نعم، عام 2020 لم يكن سهلًا، والمؤشرات تُظهر بوضوح أن قطاع الرياضة تأثر، لكن ما بين تراجع الفرق واللاعبين، وازدياد عدد المدربين، ودمج ذوي الهمم بقوة، يمكن القول إن الرؤية الاستراتيجية للرياضة في مصر لا تزال متماسكة، وأن هذا القطاع، رغم عثراته، يستعد لمستقبل أفضل وأكثر شمولًا.

Short Url

showcase
showcase
search