الخميس، 08 مايو 2025

08:10 م

من العجز إلى الفائض الأولي، هل تكفي المؤشرات الإيجابية لتجاوز الأزمة؟

الأربعاء، 07 مايو 2025 01:12 م

الاقتصاد

الاقتصاد

في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المصرية محاولاتها لتحقيق التوازن بين ضبط الإنفاق وزيادة الإيرادات، يكشف مشروع موازنة العام المالي المقبل 2025/2026 عن اتساع الفجوة التمويلية بأكثر من 25% لتصل إلى 3.6 تريليون جنيه.

ويفتح هذا الرقم الضخم باب التساؤلات حول قدرة الاقتصاد المصري على تحمل أعباء اقتراض إضافية بهذا الحجم، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة خدمة الدين، وتراجع الإيرادات غير الضريبية بفعل تحديات خارجية، والتي كان من أبرزها أزمة البحر الأحمر، ولكن ما دلالة ارتفاع الفجوة التمويلية بهذا الرقم؟

الاقتصاد

دلالة ارتفاع الفجوة التمويلية

قال الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، إن هذا الاتساع يعكس أمرين أساسيين، كالآتي:

- أولاً: تضخم مكون العجز الكلي والديون المستحقة السداد، وهو ما يشير إلى تصاعد في كلفة خدمة الدين وتباطؤ في الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بزيادة الإيرادات العامة (خصوصًا من الضرائب المباشرة وغير النفطية).

- ثانياً: توسع حكومي في بنود الإنفاق، لا سيما في دعم الطاقة والتزامات الاستيراد، في ظل تقلبات سعر الصرف العالمية وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، بما في ذلك عقود الاستيراد بالعملة الأجنبية لتغذية محطات الكهرباء والمصانع.

استيراد كميات من الغاز المسال لتغطية احتياجات الكهرباء

وأضاف الخبير الاقتصادي في تصريحات خاصة لموقع «إيجي إن»، أن الحكومة تستورد حالياً كميات متزايدة من الغاز المسال لتغطية احتياجات توليد الكهرباء والصناعة، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على رصيد العملة الأجنبية والموازنة العامة، خصوصًا مع عقود استيراد طويلة الأجل بسعر مرتفع.


ولفت "فؤاد" إلى أنه من المرجح في موازنة 2025/2026، أن بند دعم المواد البترولية والغاز وحده يشكل واحدًا من أكبر البنود غير المرنة في الإنفاق، دون عوائد مباشرة على الإيرادات، مشيراً إلى أنه إذا لم يتم ترشيد استهلاك الطاقة، وإعادة تسعير الغاز للصناعات كثيفة الاستهلاك، أو تسريع استخدام بدائل (كالربط الإقليمي، الطاقة الشمسية)، فإن هذا البند سيظل يستنزف الموازنة ويمتص فرص تحسين الاستهداف الاجتماعي.
وأكد الخبير الاقتصادي أن هذا الحجم من الفجوة التمويلية يُعد مؤشر إنذار مبكر بشأن استدامة المالية العامة، خصوصًا إذا لم يصاحبه تحسن ملموس في كفاءة الإنفاق وزيادة الإيرادات الذاتية.

وأشار الدكتور محمد فؤاد إلى أن الفجوة بهذا الحجم تُضعف من مرونة الموازنة وتزيد من الاعتماد على التمويل المحلي في ظل بيئة دولية شحيحة التمويل.

الاقتصاد

قدرة السوق المحلي على استيعاب أدوات الدين المحلي والأثر التضخمي

وتعتزم وزارة المالية تغطية عجز الموازنة من خلال إصدار أدوات دين محلية جديدة بقيمة 2.2 تريليون جنيه في صورة أذون خزانة، وسندات خزانة بنحو 928.9 مليار جنيه، ولكن هل السوق قادر على استيعاب ذلك دون التسبب في ضغوط إضافية؟

في هذا الصدد، أوضح الخبير الاقتصادي أن هذا الأمر مرهون بعاملين، الأول سيولة الجهاز المصرفي، خاصة البنوك العامة، والتي تعتمد بدورها على ودائع القطاع العائلي وتمويلات البنك المركزي، مشيراً إلى أن العامل الثاني هو جاذبية العائد الحقيقي، فإذا كان العائد على الأذون أقل من معدل التضخم المتوقع، سيؤدي ذلك إلى إحجام أو طلب علاوة مخاطر أعلى، مما يرفع تكلفة الاقتراض.
ولفت “فؤاد” إلى أن السوق يمكنه استيعاب هذا المستوى على المدى القصير لكن بثمن: ارتفاع أسعار الفائدة، بالإضافة إلى احتباس السيولة عن قطاعات الإنتاج والاستثمار.
وقال الخبير الاقتصادي إنه بوجه عام، تمويل العجز عبر الدين المحلي ليس تضخميًا بذاته طالما تم عبر امتصاص سيولة موجودة داخل النظام المالي، لكن إذا أدى ذلك إلى تنافس الحكومة مع القطاع الخاص على السيولة، أو احتاج الأمر إلى توسع في إعادة التمويل من البنك المركزي (أي شبه تمويل بالعجز Monetization)، فسيؤدي ذلك إلى ضغوط تضخمية غير مباشرة.

ويمكن أن يعود سبب الانخفاض في الإيرادات غير الضريبية جزئيا إلى تراجع إيرادات قناة السويس، إذ كلفت الاضطرابات في البحر الأحمر مصر 7 مليارات دولار ، بما يعادل 350 مليار جنيه من إيرادات القناة.

وأوضح الدكتور محمد فؤاد، أنه يمكن تعويض هذه الفجوة في الإيرادات من خلال الضرائب.

قناة السويس

وبينما تراهن الحكومة على أدوات تمويلية محلية ودولية لسد العجز، وضبط مؤشرات الدين، يبقى نجاح هذه الاستراتيجية مرهوناً بقدرة الدولة على تحفيز مصادر دخل جديدة، وزيادة إيراداتها غير الضريبية بشكل مستدام. ففي اقتصاد يواجه ضغوط محلية وإقليمية متلاحقة، يصبح الحفاظ على استدامة المالية العامة تحدياً يتطلب موازنة دقيقة بين متطلبات الإنفاق وأعباء الدين، لصمان استمرار الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

Short Url

showcase
showcase
search