عصر ما بعد الهاتف الذكي، بدائل جديدة ترسم علاقة الإنسان بالتكنولوجيا

الأربعاء، 31 ديسمبر 2025 12:45 م

الخواتم الذكية

لم يعد الهاتف الذكي، كما نعرفه اليوم، الأداة المثالية للتفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، هكذا يرى جون كالاهان، الشريك المؤسس لشركة رأس المال الجريء True Ventures، الذي يتوقع أن تشهد السنوات العشر المقبلة تراجعًا جذريًا في دور الهاتف، وربما اختفائه تدريجيًا لصالح واجهات أكثر انسجامًا مع السلوك البشري.

هذا الطرح، رغم جرأته، لا يأتي من فراغ، وكالاهان يقف خلف استثمارات مبكرة في شركات غيرت أنماط الحياة اليومية، مثل Fitbit في تتبع اللياقة البدنية، وPeloton في التمارين المنزلية، وRing التي حولت جرس الباب إلى أداة أمنية ذكية، ومن هذا المنطلق، تبني True Ventures، التي تدير استثمارات تقارب 6 مليارات دولار، رؤيتها على أن طريقة تفاعل البشر مع التكنولوجيا تمر بلحظة انعطاف حاسمة.

الهاتف الذكي لم يعد واجهة طبيعية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي

من وجهة نظر كالاهان، لم يعد الهاتف الذكي واجهة طبيعية للتعامل مع الذكاء، والتقاط الهاتف لكتابة فكرة سريعة أو إرسال رسالة قصيرة عملية مليئة بالتشتيت، ولا تتماشى مع إيقاع الحياة السريع، لذلك يتوقع استمرار استخدام الهواتف في المدى القريب، لكن بوظائف مختلفة، إلى أن تحل محلها واجهات أكثر بساطة وسلاسة.

هذه القناعة قادت الشركة إلى الاستثمار في أجهزة بدت في بدايتها مخاطرة، لكنها أعادت تشكيل سلوك المستخدمين، واليوم يتجسد هذا الرهان في جهاز جديد يحمل اسم Sandbar، وهو خاتم ذكي يُلبس في الإصبع ويعتمد على الأوامر الصوتية، صُمم خصيصًا لالتقاط الأفكار وتنظيمها فور ظهورها، والجهاز لا يسعى ليكون أداة صحية أو منافسًا للأجهزة القابلة للارتداء المعروفة، بل “رفيقًا للأفكار” كما يصفه كالاهان.

تعتمد فلسفة Sandbar على البساطة؛ فهو لا يسجل الصوت باستمرار ولا يحاول أداء عشرات المهام في وقت واحد، بل يركز على وظيفة واحدة: أن يكون حاضرًا عندما تطرأ فكرة مفاجئة، ويرتبط الجهاز بتطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يعكس تصورًا مختلفًا كليًا لطبيعة العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا.

ولعب الفريق المؤسس دورًا حاسمًا في قرار الاستثمار، إذ يمتلك المؤسسان مينا فهمي وكيراك هونغ خبرة سابقة في تطوير الواجهات العصبية داخل شركة CTRL-Labs، التي استحوذت عليها “ميتا” عام 2019، ما جعل الرؤية بين الطرفين متقاربة منذ البداية.

تمويل ضخم في قطاع الذكاء الاصطناعي

في ظل سباق محموم لجولات تمويل ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، تفضل True Ventures اتباع نهج أكثر هدوءًا، عبر استثمارات أولية تتراوح بين 3 و6 ملايين دولار، دون الانسياق وراء التقييمات المليارية، ويرى كالاهان أن بناء شركات مؤثرة لم يعد يتطلب ضخ أموال هائلة كما في السابق.

ورغم اعترافه بأن الذكاء الاصطناعي يمثل أقوى موجة حوسبة شهدها العالم، يحذر من الإفراط في الاستثمار بالبنية التحتية، خاصة مع توقعات بإنفاق قد يصل إلى 5 تريليونات دولار على مراكز البيانات والرقائق، ويؤكد أن القيمة الحقيقية ستظهر في طبقة التطبيقات والواجهات الجديدة، حيث تتشكل أنماط استخدام وسلوكيات غير مسبوقة.

ومع تباطؤ نمو سوق الهواتف الذكية إلى نحو 2% سنويًا، مقابل نمو متسارع للأجهزة القابلة للارتداء والحلول الصوتية، يرى كالاهان أن ملامح التحول أصبحت واضحة، وقد لا يختفي الهاتف الذكي بين ليلة وضحاها، لكن مركز الثقل في علاقتنا مع التكنولوجيا يتحرك بالفعل، وبالنظر إلى سجل True Ventures في الرهانات المبكرة، قد يكون من المفيد الإنصات عندما يقول أحد أبرز مستثمري وادي السيليكون إن زمن الهاتف الذكي يقترب من نهايته.