تحويل المحاصيل لمنتجات مربحة، دور التصنيع الزراعي في تعظيم القيمة الاقتصادية وتعزيز الأمن الغذائي
الجمعة، 12 ديسمبر 2025 04:35 م
التصنيع الزراعي
يعد قطاع الزراعة في مصر حجر الزاوية للاقتصاد الوطني، ليس فقط باعتباره مصدرًا رئيسيًا للغذاء والكساء، بل أيضًا كونه قاعدة متينة لبناء صناعات غذائية قوية تساهم في زيادة الدخل القومي وتوفير فرص عمل واسعة، خاصة في المناطق الريفية.
ومع التحولات الاقتصادية العالمية والتغيرات المناخية، أصبح تعزيز التصنيع الزراعي ضرورة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات، فضلاً عن دعم صادرات المنتجات المصرية للأسواق العالمية.
_1763_011015.jpg)
دور التصنيع الزراعي في تعزيز القيمة المضافة
يتمثل جوهر التصنيع الزراعي في تحويل الحاصلات الزراعية الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة، سواء من خلال عمليات التعبئة والتغليف أو التجفيف أو التصنيع إلى منتجات نهائية.
هذا التحول ليس مجرد عملية تقنية، بل يمثل أداة اقتصادية قوية لتحسين العائد الزراعي للمزارعين، وتقليل الفاقد الذي يصل إلى نحو 30-40% من الإنتاج الزراعي في بعض الدول العربية.
على سبيل المثال، يمكن تحويل محصول الطماطم إلى صلصات أو مربيات، ما يزيد العائد للمزارعين بنسبة قد تصل إلى 500% مقارنة ببيعه كمنتج خام في السوق.
هذا التحول له بعد آخر يتعلق بمرونة الأسواق، فالتصنيع الزراعي يسمح بتخزين الفائض خلال فترات انخفاض الأسعار، ثم إعادة طرحه في السوق عند الحاجة أو تصديره، مما يخلق استقرارًا نسبيًا في الأسعار ويحمي المزارعين من الخسائر الموسمية.
وبالنظر إلى الفجوة الكبيرة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك للمواد الغذائية المصنعة في الوطن العربي، فإن تطوير التصنيع الزراعي يمثل أولوية استراتيجية لدول المنطقة، بما يسهم في خفض العجز في الميزان التجاري وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.

المزايا النسبية لمصر في مجال التصنيع الزراعي
تمتلك مصر مقومات فريدة تجعلها منصة جاذبة للاستثمار الزراعي والتصنيع الغذائي، فالقطاع الزراعي المصري متنوع في محاصيله ويضم أيدي عاملة ماهرة، إلى جانب موقع استراتيجي يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، ما يسهل عمليات التصدير والتسويق للمنتجات المحلية.
علاوة على ذلك، يتمتع القطاع الزراعي المصري بتراث تقليدي وخبرات محلية في مجال التصنيع الغذائي، يمكن استثمارها في إنتاج منتجات ذات جودة عالية تلبي احتياجات الأسواق العالمية.
بالرغم من هذه المزايا، تواجه مصر تحديات كبيرة، أبرزها نقص البنية التحتية والتقنيات الحديثة في المصانع، ما يحد من القدرة على زيادة حجم الإنتاج وجودته وفق المعايير الدولية، خصوصًا في ظل المنافسة مع الدول المصدرة للمنتجات الغذائية ذات التكلفة المنخفضة.
مشاريع التصنيع الزراعي في محافظة الغربية كنموذج اقتصادي
تعد محافظة الغربية نموذجًا واضحًا لنجاح التصنيع الزراعي في مصر، حيث تنوعت مجالات التصنيع لتشمل صناعة الألبان ومنتجاتها، والزيوت، والمكرونة، والحلاوة الطحينية، تصنيع الأسماك المدخنة والمعلبة، والعصائر، وتجفيف الفاكهة والمخللات.
ويبرز في المحافظة صناعات مميزة مثل الحلاوة الطحينية والمخللات والأسماك المدخنة، حيث تشكل المحافظة نحو 48.1% من إنتاج الأسماك المدخنة، و29.9% من الحلاوة الطحينية، و13.7% من المخللات على مستوى الجمهورية.
ومع ذلك، لا تزال مساهمة التصنيع الزراعي في إجمالي الإنتاج الصناعي والصادرات المصرية منخفضة، إذ بلغت نحو 14.3% من إجمالي الإنتاج الصناعي و6.9% من إجمالي الصادرات، ما يشير إلى وجود فرص كبيرة لتحسين الأداء من خلال استراتيجيات مدروسة واستثمارات مستهدفة.

الاستثمار الزراعي محرك للنمو الاقتصادي
تشير البيانات إلى أن الاستثمار الزراعي في مصر لا يقتصر على الأرض والمحاصيل، بل يمتد إلى إنشاء مشاريع متكاملة تشمل الإنتاج النباتي والحيواني، وكذلك التصنيع الزراعي.
فمن الممكن الاستثمار في المحاصيل التصديرية مثل العنب والبصل والفاصوليا الخضراء، أو في النباتات الطبية والعطرية التي تحقق عوائد مرتفعة.
أما في مجال الإنتاج الحيواني، فتشمل الفرص إنشاء مزارع دواجن وأبقار حديثة، ومجازر آلية، ومزارع سمكية مجهزة بأحدث نظم الإنتاج.
وفي مجال التصنيع الزراعي، تظهر فرص كبيرة من خلال إنشاء مصانع لتجفيف النباتات الطبية والعطرية والطماطم، ومصانع الأعلاف، ومصانع تدوير المخلفات الزراعية لإنتاج الأسمدة العضوية، ومصانع الصلصة والخضروات المجمدة، ومصانع الصناعات القائمة على قصب السكر.
هذه المشروعات لا توفر فقط منتجات غذائية ذات جودة عالية، بل تسهم أيضًا في زيادة القيمة المضافة وتقليل الفاقد من الموارد الزراعية.
دعم الحكومة للاستثمار الزراعي
تولي الحكومة المصرية القطاع الزراعي اهتمامًا خاصًا ضمن استراتيجياتها الاقتصادية، إذ خصصت ميزانية قدرها 116.6 مليار جنيه للعام المالي 2023/2022 لتعزيز إنتاجية المحاصيل، وتحسين كفاءة استخدام الأراضي والمياه، وإدخال أصناف جديدة مقاومة للجفاف، إلى جانب التوسع في الميكنة والزراعة الحديثة.
كما تستهدف الحكومة جذب استثمارات أجنبية تصل إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2026، وزيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتتجسد رؤية الدولة في إنشاء مناطق صناعية ولوجستية متكاملة مثل مشروع “الدلتا الجديدة”، والذي يشمل مجمعات صناعية متخصصة في التصنيع الزراعي والغذائي، ومرافق متقدمة للفرز والتعبئة والتجميد، بالإضافة إلى معامل متطورة للرقابة على الأغذية والأسمدة.
المرحلة الأولى من المشروع تستهدف استقبال 3.5 مليون طن من المواد الخام الزراعية سنويًا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.7 مليون طن من المنتجات النهائية، ما يعكس دورًا محوريًا لتعظيم القيمة المضافة وتعزيز الصادرات.

التحديات والفرص المستقبلية
رغم الإمكانات الهائلة، يواجه قطاع التصنيع الزراعي تحديات تتمثل في نقص البنية التحتية، ومحدودية التمويل، وضعف البحث والتطوير، والتقنيات الحديثة، إلى جانب التحديات اللوجستية المتعلقة بالتخزين والنقل.
ومع ذلك، هناك فرص كبيرة لتطوير القطاع من خلال تشجيع الزراعة التعاقدية بين المزارعين والمصانع لضمان توفر المواد الخام، وتعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية لتبادل المنتجات الزراعية، وزيادة الاستثمارات في البحث والتطوير والتدريب الفني للعاملين.
كما أن التركيز على القطاعات الفرعية مثل الزيتون والتمور والمنتجات المجمدة يمكن أن يعزز من قدرة المنتجات المصرية على المنافسة في الأسواق العالمية، خصوصًا إذا تم تطوير آليات دعم تصديري مرنة وسريعة لمواجهة الظروف الاستثنائية والموسمية.
التصنيع الزراعي والتنمية المستدامة
لا يقتصر التصنيع الزراعي على تعزيز الاقتصاد الوطني فحسب، بل له بعد اجتماعي حيوي من خلال توفير فرص عمل للريف وربط المجتمعات المحلية بالاقتصاد الوطني، بما يسهم في الحد من الهجرة إلى المدن وتقليل البطالة والجريمة، كما يسهم في تطوير التعليم والتدريب الفني، وتحسين جودة الخدمات الأساسية في المناطق الريفية.
وبالنظر إلى النجاحات الأخيرة في صادرات الصناعات الغذائية المصرية، تؤكد المؤشرات أن المرحلة المقبلة تتطلب استدامة هذا النجاح من خلال استراتيجية وطنية شاملة، تعتمد على دراسة الأسواق الخارجية وتحليل احتياجاتها، ثم توجيه الإنتاج المحلي لتلبية هذه الاحتياجات.

يعد التصنيع الزراعي في مصر قطاعًا حيويًا ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية استراتيجية، يمتلك مقومات فريدة لتحقيق نهضة حقيقية في الاقتصاد الوطني.
من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وتطوير التكنولوجيا، وتعزيز البحث والتطوير، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكن لمصر ليس فقط زيادة القيمة المضافة لمنتجاتها الزراعية، بل أيضًا تعزيز قدرتها التنافسية على الأسواق العالمية، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان الأمن الغذائي، ورفع مستوى رفاهية المواطنين.
يبدو أن مصر على أعتاب مرحلة جديدة من التصنيع الزراعي، حيث يمكن لمشاريع مثل “الدلتا الجديدة” أن تصبح نموذجًا يحتذى به في تحويل القطاع الزراعي إلى رافعة اقتصادية شاملة، تسهم في تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة تعزز مكانة مصر الاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي.
اقرأ أيضًا:
لتعزيز التصنيع الزراعي، افتتاح مجمع «الكيمان» للصناعات الغذائية بالأقصر
بعد تجاوزها الـ7 مليارات دولار، 40% من صادرات 2025 تعتمد على التصنيع الزراعي
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
من الاقتصاد السعودي إلى المصري، كيف أصبحت العائلات التجارية لاعبًا رئيسيًا في أسواق المال؟
10 ديسمبر 2025 05:10 م
الكشري المصري، طبق شعبي يتحول إلى أيقونة تراث إنساني على قوائم اليونسكو
10 ديسمبر 2025 03:26 م
قطاع مزدهر يضخ المليارات، كيف تتحول السياحة الطبية إلى محرك اقتصادي جاذب للاستثمار؟
10 ديسمبر 2025 01:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً