الدكتورة نادية المرشدي تكتب: حين تصبح التزكية «قانونية»
الثلاثاء، 09 ديسمبر 2025 10:03 ص
الدكتورة نادية المرشدي
حين تصبح “التزكية قانونية”، هذه الجملة وحدها تكشف أزمة أكبر من أي عجز موازنة، إنها تكشف عجزًا أخلاقيًا… عجزًا في رؤية الدولة لنفسها ولشعبها.
في دولة يُفترض أنها تخوض طريقًا صعبًا نحو الإصلاح الاقتصادي وتحرير الطاقات الإنتاجية، يصبح أخطر ما يهدد المستقبل ليس الأزمات المالية وحدها، بل التحالف الخفي بين الانتهازية السياسية والمصالح الاقتصادية المغلقة. هذا التحالف هو الذي يصنع أزمات تُلقي بثقلها على 95% من الشعب بينما تترك الـ5% في نادي الثروة والنفوذ.
القصة التي فجّرها مؤسس قائمةالجيل المنافسه للقائمه الوطنية والتي منعت من المنافسه ، لم تكن مجرد “واقعة انتخابات”، بل جملة عابرة كشفت بجرأة ما هو أعمق: كيف يمكن لقرار سياسي واحد أن يهدم الثقة في المؤسسات، وأن يعصف بجوهر فكرة السيادة الشعبية؟.
عندما قال مؤسس قائمة الجيل إنه حذّر مسؤولًا في الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات من خطورة ظهور الانتخابات بلا منافسة حقيقية، فجاءه الرد: “متقلقش، التزكية قانونية”، فقد كان ذلك- بصرف النظر عن التفاصيل- مؤشرًا خطيرًا على طريقة تفكير لا تتعامل مع العملية السياسية باعتبارها جوهرًا للديمقراطية، بل معاملة إجرائية شكلية يمكن تسويغها بنص قانوني.
هذا الرد- سواء قيل بحسن نية أو بسطحية- يفتح الباب لسؤال جوهري:
ما قيمة القانون إذا تحول إلى أداة لإلغاء المنافسة بدلًا من تنظيمها؟
وما قيمة الوطنية حين تتحول إلى شعار يُغطي به البعض مصالحه الضيقة
التمدد السياسي… والارتداد الاقتصادي
حين تُختزل السياسة في “قائمه وطنية بالتزكية”، فإن الاقتصاد يتأثر مباشرة.
فالبيئة السياسية التي تُغلق المجال العام تُنتج بالضرورة بيئة اقتصادية مغلقة أيضًا:
قوانين تُفصَّل على قياس المستفيدين، وسياسات تُدار لصالح شبكات مصالح ضيقة، وقرارات مصيرية بلا رقابة أو شفافية، وموارد تُدار دون مساءلة حقيقية.
وتصبح النتيجة واضحة على الأرض:
معدلات نمو تُعلن… لكن ثمارها لا تصل للمواطن.
استثمارات يُحتفى بها… لكن آثارها لا يشعر بها إلا القلة.
إصلاحات ضخمة… بينما الطبقة المتوسطة تتآكل، والفقر يتوسع.
هنا لا يظهر الفساد كـ"واقعة مالية"، بل كـ"بنية سياسية" تُعيد إنتاج نفسها وتمنح امتيازاتها لنفس الدائرة المغلقة.
ترزية القوانين ومصانع الفقر.
في ظل غياب منافسة سياسية عادلة، يصبح من الطبيعي أن تتحول بعض المؤسسات إلى ما يشبه “ترزية القوانين”، قوانين تُفسَّر حسب المصلحة، لوائح تُفصَّل على المقاس، اتفاقيات تُدار بغير ما تظهره بياناتها الرسمية.
ولأن ولاء بعض من يشغلون هذه المواقع لا يكون بالضرورة للشعب أو للوطن، بل للشبكات التي صنعت وجودهم، تتحول السياسات الاقتصادية إلى وسيلة تركيز ثروة لا وسيلة توزيع عدالة.
وتصبح الأرقام التي تُرددها التقارير الدولية أشبه بنشرات طمأنة لا تعكس واقع الأسواق، القضية ليست في “تزكية انتخابية” أو “تصريح صادم” فقط.
القضية أن تلك العقلية، إن بقيت، ستنقل آثارها من السياسة إلى: تفسير القوانين، وإدارة الصناعة، وقرارات الاستثمار، وسياسات التجارة، تطبيق الاتفاقيات الدولية، وعندها لا يعود الفشل الاقتصادي لغزًا.
فالاقتصاد لا يمرض وحده… السياسة الفاسدة هي التي تُعدي كل شي
الوطن لا يُدار بالتزكية… ولا يبنى بشعارات الوطنية
الوطنية ليست كلمة تُضاف لأي قائمة أو كيان فتتحول إلى صك براءة.
والوطن ليس شركة خاصة تتقاسمها مجموعات مصالح، ولا طاولة يجلس حولها أصحاب النفوذ ليقرروا مستقبل ملايين دون شريك أو منافس.
دعونا نسمي الأشياء بأسمائها:
حين تختطف السياسة، تختطف معها الثروة.
وحين تُغلق الساحة أمام المنافسة، تُغلق معها أبواب العدالة الاقتصادية.
فحين تتحوّل السياسة إلى إجراءات شكلية، وتصبح فكرة المنافسة “ترفًا”، ينفتح الباب أمام أسوأ أنواع الفساد:
الفساد الذي يعطل الإرادة الشعبية ويحوّل الدولة إلى شركة مساهمة يديرها المنتفعون.
إذا أردنا اقتصادًا حقيقيًا، فعلينا أولًا أن نعيد تعريف السياسة.
وإن أردنا دولة قوية، فعلينا إعادة الاعتبار للشرعية الشعبية.
وإن أردنا “وطنية”، فعلينا أن ننزعها من الشعارات ونزرعها في الممارسة.
Short Url
نجلاء أحمد تكتب: مصر تحتفل بذوى الهمم 11% من الشعب نموذج للتمكين، رؤية دولة وإرادة شعب
08 ديسمبر 2025 02:30 م
عندما تتحكم الشركات في توقيت التطور.. حكاية التكنولوجيا التي تصلنا ناقصة عمدًا
07 ديسمبر 2025 01:02 م
نجلاء أحمد تكتب: ألم يتبعه ندم، 31 مأساة طلاق كل ساعة
06 ديسمبر 2025 02:05 م
أكثر الكلمات انتشاراً