الأربعاء، 03 سبتمبر 2025

10:25 ص

العتمة كوجه آخر للاقتصاد.. كهرباء العراق وسوريا ولبنان تكشف مأزق الاقتصاد المشرقي

الأربعاء، 03 سبتمبر 2025 08:36 ص

انقطاع الكهرباء

انقطاع الكهرباء

في معظم دول العالم تقاس التنمية بمدى استقرار الإمدادات الكهربائية، إذ لا يمكن للصناعة أن تنمو ولا للاستثمار أن يتوسع ولا حتى للحياة اليومية أن تستمر من دون طاقة كافية. 

انقطاع الكهرباء في العراق

لكن في العراق وسوريا ولبنان، انقلبت المعادلة رأسًا على عقب، وأصبح الانقطاع المزمن للكهرباء هو القاعدة، فيما بات الضوء استثناءً مؤقتًا. 

هذه الأزمة التي تجمع الدول الثلاث ليست مجرد خلل في البنية التحتية، بل تعبير صارخ عن اختلال اقتصادي ومالي، وعن غياب التخطيط طويل الأمد، وعن تغلغل الفساد حتى في أكثر القطاعات حيوية.

العراق.. ثروة نفطية أسيرة للظلام

لا توجد مفارقة أشد وضوحًا من تلك التي يعيشها العراق، بلد يطفو على بحر من النفط، وينتج ما يزيد على أربعة ملايين برميل يوميًا، لكنه يعجز عن توفير الكهرباء لمواطنيه. 

منذ التسعينيات، ومع تدمير جزء كبير من محطات التوليد خلال حرب الخليج والحصار، بدأ مسلسل الانقطاعات الطويلة، ومع الاحتلال الأمريكي ثم سنوات الفساد الإداري والمالي، أصبحت أزمة الكهرباء إحدى أبرز مظاهر الدولة الريعية العاجزة عن تحويل مواردها النفطية إلى خدمات مستدامة.

اليوم ينتج العراق ما يقارب 25 ألف ميجاواط، بينما يصل الطلب في ذروة الصيف إلى نحو 55 ألف ميجاواط، والفجوة الكبيرة تعني انقطاعًا يوميًا وشعورًا عامًا بالخذلان. 

وما زاد الطين بلة أن بغداد ارتهنت لإمدادات الغاز والكهرباء من إيران، لتصبح رهينة تقلبات سياسية وضغوط دولية، كما لم تغب محاولات المعالجة، من خارطة طريق "سيمنز" عام 2019 إلى الاتفاقيات الأخيرة مع "توتال" والربط الخليجي، لكنها غالبًا ما تتعثر أمام البيروقراطية والفساد وتغير الأولويات السياسية. 

والنتيجة أن الكهرباء باتت عقبة أمام نمو القطاعات الصناعية، وسببًا في نزيف مليارات الدولارات سنويًا على المولدات الخاصة واستيراد الوقود، ما يبقي الاقتصاد العراقي في دائرة التبعية والإنفاق غير المنتج.

 

اقرأ أيضًا:

العراق توقع عقد مع شركة تركية بتوفير 500 ميجاوات من الكهرباء عبر محطات عائمة

انقطاع الكهرباء في سوريا

سوريا.. من فائض التصدير إلى عجز قاتل

قبل اندلاع الحرب عام 2011، كانت سوريا تمتلك فائضًا كهربائيًا يصل إلى آلاف الميجاواط، وكانت تبحث عن أسواق لتصديره. 

اليوم، وبعد أربعة عشر عامًا من حرب مدمرة وعقوبات خانقة، لم يعد من ذلك الفائض سوى أطلال محطات مدمرة وشبكات مهترئة. 

الاحتياجات اليومية للبلاد تقارب 6500 ميجاواط، بينما الإنتاج الفعلي لا يتجاوز في أفضل الحالات 1900 ميجاواط، ما يعني أن معظم السوريين يعيشون ساعات طويلة في الظلام، يعتمدون خلالها على المولدات الصغيرة أو على ألواح الطاقة الشمسية التي تحولت إلى مشهد مألوف فوق أسطح المنازل.

الانهيار الكهربائي في سوريا يعكس صورة الاقتصاد الكلي، من فقدان مصادر الطاقة في الشمال الشرقي بعد خروجها عن سيطرة الحكومة، وتراجع إمدادات الغاز بفعل العقوبات، وتدمير بنية التوليد الحرارية والمائية بفعل القصف والمعارك. 

ومع تراجع منسوب نهر الفرات بفعل السياسات التركية، تقلصت قدرة السدود الكهرومائية إلى مستويات تاريخية، وكل ذلك جعل من الكهرباء سلعة نادرة، لا تهدد فقط راحة المواطنين وإنما أيضًا بقاء القطاعات الصناعية والزراعية.

وعلى الرغم من بدء الحكومة الانتقالية بخطط طموحة لإعادة بناء المنظومة عبر استثمارات خليجية ومشروعات طاقة متجددة، إلا أن الطريق يحتاج إلى ما لا يقل عن 40 مليار دولار وخمس سنوات من العمل المكثف، وهي فترة طويلة بالنسبة لمجتمع أنهكته الحرب والفقر.

اقرأ أيضًا:

سوريا تحدد رسوم دخول البلاد بـ 50 دولارا للزوار من ثلاث دول عربية

انهيار الاقتصاد اللبناني

لبنان.. فساد يتقاسم العتمة

في لبنان، ارتبطت الكهرباء منذ نهاية الحرب الأهلية بالصفقات والفساد أكثر من ارتباطها بالتنمية، مؤسسة كهرباء لبنان لا تغطي سوى ثلث احتياجات المواطنين، فيما يتكفل الباقي اقتصاد المولدات الذي تحول إلى قطاع موازي قائم على المازوت وأسعار خيالية تثقل كاهل الأسر.

الخلل ليس تقنيًا فقط، بل سياسي بالدرجة الأولى، وغياب التخطيط منذ التسعينيات، والفشل في بناء معامل جديدة تعمل بالغاز، وتضارب المصالح بين الأحزاب، وصفقات مشبوهة أبرزها استئجار البواخر التركية مقابل مئات ملايين الدولارات، كلها عوامل عمقت العجز. 

ومع الانهيار المالي عام 2019 وتدهور سعر الليرة، دخل قطاع الكهرباء مرحلة شلل شبه كامل، والحرب الإسرائيلية الأخيرة لم تفعل سوى تكريس الانقطاع، لتصبح العتمة جزءًا من الحياة اليومية.

ومع ذلك، وللمفارقة، كان لهذا الانهيار أثر جانبي إيجابي، اللبنانيون اتجهوا بكثافة إلى الطاقة الشمسية، حتى بات إنتاجها يتجاوز إنتاج الدولة في بعض الفترات. 

إلا أن هذا المسار لا يكفي لتغطية احتياجات الاقتصاد، ولا يغني عن إصلاح جذرِي لمؤسسة الكهرباء، والخطط الحكومية الجديدة التي تركز على إنشاء معامل بنظام BOT وعلى مكافحة الهدر والسرقات تبدو واعدة على الورق، لكن التجربة اللبنانية تجعل التشكيك في التنفيذ أمرًا مشروعًا.

اقرأ أيضًا:

العراق تسعى لإنشاء محطة للطاقة الشمسية لتعزيز أمن الطاقة والاستدامة

أزمة واحدة.. سيناريوهات متباينة

رغم اختلاف التفاصيل بين العراق وسوريا ولبنان، إلا أن أزمتهم الكهربائية تعكس صورة واحدة، اقتصاد عاجز عن تحويل موارده إلى خدمات عامة مستدامة. 

الفشل في إدارة هذا القطاع يعني خسائر مباشرة في الناتج المحلي، وتراجع القدرة التنافسية للصناعة، وزيادة الاعتماد على حلول فردية مكلفة، من المولدات الخاصة إلى استيراد الطاقة بأسعار مرتفعة.

انقطاع الكهرباء

مستقبل مفتوح لتلك الدول

المستقبل أمام هذه الدول مفتوح على ثلاثة مسارات، الأول يتمثل في النجاح التدريجي لمشروعات الغاز والطاقة المتجددة والربط الإقليمي، بما قد يتيح وفرة كهربائية بحلول نهاية العقد. 

والثاني هو استمرار التعثر والاعتماد على حلول ترقيعية، ما يبقي المواطن في دوامة العتمة والفواتير المضاعفة، أما الثالث والأكثر قسوة، فهو أن تتحول الكهرباء إلى أداة ابتزاز سياسي واقتصادي، تستنزف ما تبقى من قدرات هذه الدول على النمو والاستقرار.

وبين هذه السيناريوهات، يظل السؤال المركزي، هل تستطيع اقتصادات مأزومة، مثقلة بالديون والانقسامات، أن تجد في الكهرباء مدخلاً للإنقاذ، أم أن الظلام سيظل العنوان الأبرز لعقد جديد من الخسائر؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search