خبراء: مصر أمام فرصة للتحول لمركز إقليمي للصناعات الرقمية، وهجرة العقول تهدد الصناعة

الخميس، 28 أغسطس 2025 03:41 م

الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

محمد السيد

تشهد مصر والمنطقة في السنوات الأخيرة تحولات كبرى في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع صعود تقنيات الجيل الخامس وما يرتبط بها من صناعات داعمة تشمل تصنيع المعدات، البرمجيات، الكابلات، والأبراج وأجهزة الطاقة، وتبرز أمام الشركات المصرية والإقليمية فرص واسعة لتعزيز حضورها في هذه الأسواق عبر التوسع في التصنيع المحلي وتوطين التكنولوجيا، بما يفتح المجال لبناء بنية تحتية رقمية قوية، وجذب استثمارات أجنبية، وتحقيق تكامل صناعي يخدم الاقتصاد الوطني، وغير أن الطريق لا يخلو من تحديات، بدءًا من المنافسة العالمية القوية، مرورًا بمتطلبات التمويل ونقل التكنولوجيا، وصولًا إلى الحاجة لتأهيل الكفاءات البشرية القادرة على دفع هذه الصناعات إلى مصاف متقدمة تجعل من مصر مركزًا إقليميًا للتكنولوجيا والابتكار.

تطوير صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات

تتحرك مصر بخطوات متسارعة لتطوير صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات كجزء أساسي من منظومة دعم شبكات الجيل الخامس، فقد أطلقت الحكومة استراتيجية "مصر تصنع الإلكترونيات" التي تستهدف جذب استثمارات بقيمة 300 مليون دولار خلال خمس سنوات، بالتعاون مع شركات عالمية مثل TSMC وسامسونج للإلكترونيات، وتشمل الخطة إنشاء مصانع صغيرة لتجميع وحدات المعالجة وأجهزة التوزيع داخل مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهو مشروع من المتوقع أن يوفر أكثر من 5000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة بحلول 2027.

بنية تحتية متطورة وأجهزة ذات كفاءة عالية

الشركات الناشئة تلعب دورًا حيويًا في هذا التحول، فقد استطاعت شركات مصرية مثل Si-Ware Systems وAvelabs جذب تمويلات بقيمة 50 مليون دولار من صناديق خليجية وأوروبية لتطوير رقاقات مخصصة لتطبيقات الاتصالات وإنترنت الأشياء، وهذه الاستثمارات تمثل خطوة مهمة نحو بناء قدرات محلية في تصميم الشرائح الإلكترونية التي تعد القلب النابض لأي شبكة اتصال حديثة، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس التي تحتاج إلى بنية تحتية متطورة وأجهزة ذات كفاءة عالية.

مصر مركز إقليمي لصناعة البرمجيات والأنظمة الذكية

وتعمل مصر على ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لصناعة البرمجيات والأنظمة الذكية من خلال ضخ استثمارات حكومية وخاصة بـ2 مليار جنيه مصري خلال السنوات الثلاث الماضية، وتأتي هذه الاستثمارات في إطار مبادرة "مصر الرقمية" التي أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بهدف توطين صناعة البرمجيات وتطوير حلول اتصالات ذكية تنافس عالميًا، وتشير بيانات الوزارة إلى أن حجم سوق البرمجيات المحلي بلغ 1.1 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب يصل إلى 14% حتى 2030، مدفوعًا بالطلب المتزايد على التطبيقات الحكومية والخاصة في مجالات الصحة، التعليم، والخدمات المالية.

اقتحام عالم شبكات الجيل الخامس باستثمارات تجاوزت 35 مليار جنيه مصري

تسعى مصر خلال السنوات الأخيرة إلى اقتحام عالم شبكات الجيل الخامس بقوة، من خلال استثمارات تجاوزت 35 مليار جنيه مصري لتحديث البنية التحتية ودعم التكنولوجيا الحديثة، وقادت شركات مثل فودافون مصر وأورنج واتصالات مصر موجة توسع كبيرة، شملت تحديث الأبراج والمحطات وزيادة عدد نقاط التغطية، وفق بيانات وزارة الاتصالات، من المتوقع أن تصل نسبة تغطية شبكات الجيل الخامس إلى 60% من المناطق الحضرية بحلول عام 2026، وهو ما يتيح سرعات تصل إلى عشرة أضعاف سرعات الجيل الرابع ويخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعات مثل الصناعة، الزراعة الذكية، والمدن المستدامة.

خبير تكنولوجيا: البرمجيات والأمن السيبراني بوابة مصر لتصدير المنتجات الرقمية

قال المهندس محمد الحارثي، خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات، إن مصر تمتلك فرصًا واعدة في مجال التصنيع الرقمي، مستفيدة من انخفاض تكلفة العمالة وتوافر بنية تحتية معلوماتية جيدة، إلى جانب الكفاءات البشرية المؤهلة، وأن هذه العوامل تمنح البلاد ميزة نسبية لإنشاء مراكز بيانات متطورة والدخول إلى الصناعات الرقمية بشكل واسع، وأن التحديات القائمة يمكن تجاوزها تدريجيًا بما يتيح لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًا لهذه الصناعات.

تعزيز البنية التحتية الرقمية

أضاف "الحارثي" خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات، في تصريحات خاصة لـ "إيجي إن"، أن الخطوة الأهم في تشجيع توطين صناعة المعدات الخاصة بشبكات الجيل الخامس تكمن في دراسة الاحتياجات بدقة، وتحديد مكونات هذه الصناعة سواء من الداخل أو من خلال الاستفادة من فرص استثمارية خارجية، بجانب أنها تسهم في تعزيز البنية التحتية الرقمية، بما يقود لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن فتح الباب أمام تصدير المنتجات النهائية إلى الأسواق الإقليمية والدولية.

الاعتماد على الكوادر البشرية القادرة على الابتكار والتطوير

أشار "الحارثي"، إلى أن توطين صناعة البرمجيات، بما يشمل أنظمة التشغيل وحلول الأمن السيبراني، يتطلب الاعتماد على الكوادر البشرية القادرة على الابتكار والتطوير، وأن مصر تتميز بوجود هذه الكفاءات، ما يجعلها مؤهلة لتكون بوابة لتصدير المنتجات والخدمات الرقمية إلى دول المنطقة، وأن انخفاض تكلفة التشغيل داخل مصر مقارنة بالخارج يمنح ميزة إضافية، وأن تصنيع الخدمات الرقمية وأجهزة التأمين السيبراني محليًا يعد أمرًا محوريًا في المرحلة المقبلة، لتقليل الاعتماد على المكونات الأجنبية وتفادي أي ضغوط سياسية محتملة.

دعم قطاع الاتصالات

وأكد خبير التكنولوجيا أن هناك فرصًا كبيرة أمام الشركات المصرية في تصنيع الكابلات والأبراج والبطاريات وأجهزة الطاقة، وأن هذه الصناعات ليست مطلوبة محليًا فقط، بل على المستويين الإقليمي والعالمي أيضًا، وأن هذه الفرصة تتيح لمصر دورًا محوريًا في دعم قطاع الاتصالات، مطالبًا بضرورة أن تقدم الدولة الدعم اللازم للشركات المحلية حتى تتمكن من اتخاذ خطواتها الأولى في هذا المجال.

تطوير البنية التحتية الرقمية

وذكر الخبير أن الصناعات المكملة لقطاع الاتصالات تمثل عنصرًا أساسيًا في تطوير البنية التحتية الرقمية وتحسين جودة الخدمات، وأن التوسع في هذه الصناعات سيمنح مصر قدرة أكبر على جذب الاستثمارات، مع إمكانية تقليل الاعتماد على الواردات وخفض تكلفة استيراد التجهيزات التكنولوجية، ما يساهم في تعزيز التكامل الصناعي ودفع عجلة الاقتصاد الرقمي إلى الأمام.

**المهندس محمد الحارثي خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات**

خبير تكنولوجيا: هجرة العقول تهدد صناعة البرمجيات في مصر

قال المهندس تامر محمد، خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات، إن أبرز التحديات التي تواجه الأيدي العاملة والشركات المصرية في مجال تصنيع البرمجيات والأنظمة الذكية تتمثل في الفجوة الكبيرة بين مستويات الرواتب في السوق المحلي مقارنة بما تقدمه الشركات في الخليج وأوروبا، وأوضح أن هذا التفاوت يجعل الكفاءات المصرية عرضة للاستقطاب من الخارج بعد أن تكتسب خبراتها العملية داخل الشركات المحلية لمدة عام أو عامين، وهو ما يُعد من أكبر العوائق أمام تطور الصناعة المصرية في هذا المجال.

اختطاف الأيدي العاملة المدربة يعيق الشركات المصرية

وأكد خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات، في تصريحات خاصة لـ"إيجي إن"، أن "اختطاف" الأيدي العاملة المدربة يعيق الشركات المصرية بشكل كبير عن المنافسة العالمية، حيث يضطر أصحاب الأعمال إلى إعادة تدريب موظفين جدد بشكل مستمر، وهو ما يستهلك وقتًا وجهدًا ويؤخر عملية التطوير، فالعامل الذي يصل إلى مستوى الخبرة الكافية لمواكبة متطلبات سوق العمل، عادة ما يكون الأكثر عرضة للانتقال إلى الخارج، وهو ما يضع الشركات المحلية في دائرة مفرغة من إعادة التدريب دون الاستفادة الكاملة من كوادرها.

زيادة أعداد المبرمجين والخريجين المتخصصين

وأضاف تامر محمد أن توطين صناعة البرمجيات والأمن السيبراني في مصر يتطلب بالدرجة الأولى زيادة أعداد المبرمجين والخريجين المتخصصين من كليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب ضرورة التوسع في إنشاء كليات جديدة وتحديث المناهج بما يواكب التطورات العالمية، وفتح المجال أمام الشركات المصرية والناشئة للتعاون مع الشركات العالمية، والمشاركة في المشروعات القومية الكبرى، على أن يكون هناك إلزام للشركات الأجنبية العاملة في مصر بإشراك نظيراتها المحلية في هذه المشروعات بما يعزز خبراتها ويوفر لها دخلاً مستدامًا يمكنها من المنافسة.

فرص عمل حقيقية تتيح لها النمو والانخراط في السوق العالمي

وأشار الخبير إلى أن توفير بيئة حاضنة لتطوير الصناعة لا يقتصر على الدعم المالي، بل يتطلب بالأساس دعمًا فنيًا وبناءً للقدرات، والشركات بحاجة إلى فرص عمل حقيقية تتيح لها النمو والانخراط في السوق العالمي، إلى جانب تنظيم بعثات تصديرية تمكنها من التوسع خارج حدود مصر، بما يسهم في حماية الكفاءات المحلية من التسرب للخارج وتحقيق طفرة حقيقية في صناعة البرمجيات والأمن السيبراني.