البنوك والتحول الرقمي، حلول جديدة لدمج الاقتصاد غير الرسمي في مصر
السبت، 31 مايو 2025 04:42 م

مصر بين اقتصادين، رسمي يعاني وغير رسمي يزدهر.. هل يكون التحول الرقمي هو الحل؟
الاقتصاد غير الرسمي يعد من المعوقات الأساسية لعملية التنمية، حيث يؤدي كبر حجم القطاع غير الرسمي إلى فقد الدولة جزءًا كبيرًا من الإيرادات الضريبية، التي يمكن أن تدخل في موازنة الدولة للمساهمة في الحد من عجز الموازنة، وهذا النوع من الاقتصاد، يشكل نسبة عالية من حجم الناتج، ما يؤدي إلى التضارب في أهداف وتوجهات الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي.
حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر يبلغ نحو 40%
من جانبه قال الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، في تصريحات خاصة لموقع “إيجي إن”، إن التقديرات تشير إلى أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر، يبلغ نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقارير وزارة المالية والبنك الدولي، بينما ترى تقديرات أخرى أنه قد يصل إلى 50%.
وأشار إلى أن هذا يعني أن هناك ما يقرب من 3 إلى 4 تريليونات جنيه مصري، يتم تداولها سنويًا خارج نطاق الدولة، ما يضيع على الحكومة موارد ضريبية ضخمة، ويؤثر على دقة البيانات الاقتصادية، ويزيد من صعوبة التخطيط الفعّال للسياسات المالية والاجتماعية.
هل يمكن الحد من الاقتصاد غير الرسمي؟ ودور التحول الرقمي
ورغم صعوبة دمج الاقتصاد غير الرسمي بالكامل، فإن التحول الرقمي يفتح آفاقًا واعدة في هذا المجال، واستخدام أدوات التكنولوجيا المالية (FinTech)، والمحافظ الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، يمكن أن يسهم بشكل فعال في:-
- ضم عدد أكبر من الأفراد إلى النظام المالي الرسمي، من خلال تسهيل فتح الحسابات البنكية، والدفع الإلكتروني، دون الحاجة لوجود مقرات أو أوراق معقدة.
- تبسيط الإجراءات الضريبية باستخدام المنصات الإلكترونية، وتقديم حوافز ضريبية مؤقتة للمشروعات الصغيرة الراغبة في التسجيل.
- ربط قواعد البيانات بين الجهات الحكومية المختلفة، ما يساهم في رصد النشاطات الاقتصادية غير المعلنة.
- تعزيز ثقافة الشمول المالي عبر حملات توعية ودعم تقني للمشروعات الصغيرة.
وقد بدأت مصر بالفعل تطبيق بعض هذه الأدوات من خلال منصة “ميكنة الفاتورة الإلكترونية”، ومنظومة “الإيصال الإلكتروني”، وحملات لضم القطاع غير الرسمي، إلى مبادرة الشمول المالي.
أسباب التوسع في الاقتصاد غير الرسمي
وأضاف الإدريسي: “مصر تعاني من تعقيدات بيروقراطية كبيرة في تسجيل الأنشطة الاقتصادية، إذ تتطلب الإجراءات وقتًا طويلًا وتكاليفَ مرتفعة مقارنة بالعائد المتوقع، خاصةً في ظل ضعف الدعم المقدم لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر”.
وأشار إلى أن عبء الضرائب والتأمينات يعد من الأسباب الرئيسية لنفور كثير من العاملين من الدخول تحت مظلة الاقتصاد الرسمي، مضيفًا بأن هناك شعور شائع أن الانضمام للمنظومة الرسمية، سيؤدي إلى تحمل أعباء مالية غير متناسبة مع الدخل الحقيقي.
كما أكد، أن ضعف الوعي القانوني والمالي لدى قطاع واسع من المواطنين، لا سيما في المناطق الريفية والعشوائية، يؤدي إلى تفضيل العمل في القطاع غير الرسمي، دون إدراك لما يفقدونه من حماية قانونية وتأمينية، أو فرص تمويل وتوسع مستقبلية.
كما أن نقص فرص العمل الرسمية، يدفع شرائح واسعة من الشباب والنساء إلى العمل في أنشطة غير منظمة، سواءً من المنزل أو في أسواق غير رسمية، لتوفير مصدر دخل في ظل ارتفاع معدلات البطالة.

دول نجحت في تقليص الاقتصاد غير الرسمي.. ماذا نتعلم؟
وأضاف الإدريسي خلال تصريحه لـ “إيجي إن” أن هناك تجارب دولية ناجحة يمكن لمصر الاستفادة منها، أبرزها:-
- البرازيل:- حيث نجحت في خفض حجم الاقتصاد غير الرسمي من 42% إلى أقل من 30% خلال عقد، عبر إدخال نظام ضريبي مبسط للمشروعات الصغيرة يُعرف بـ “Simples Nacional”، وهو نظام يقدم تخفيضات ضريبية مقابل التسجيل.
- تركيا: طبقت نظام تسجيل إلكتروني مرن، وقدمت إعفاءات ضريبية مؤقتة، ووفرت قروضًا ميسرة للمسجلين حديثًا.
- والهند: أطلقت حملة وطنية كبيرة تحت شعار “Digital India”، وفّرت من خلالها أدوات دفع إلكتروني منخفضة التكلفة، وأدخلت الملايين إلى النظام المالي.
البنوك تلعب دورًا محوريًا في جذب العاملين في الاقتصاد غير الرسمي
ومن جانبه أكد الخبير المصرفي وليد عادل، في تصريحات خاصة لموقع "إيجي إن"، أن البنوك تلعب دورًا محوريًا في جذب العاملين في الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي، مشددًا على ضرورة تحسين الخدمات المصرفية، وهو ما لا يقتصر فقط على دور البنك المركزي، بل يتطلب أيضًا تكاتفًا من الحكومة.
وأضاف أن هناك حاجة ماسة لوجود ترابط بين كافة جهات الدولة، مشيرًا إلى ما قاله رئيس الجمهورية، بشأن أهمية الاعتماد على نظام موحد لتقديم الخدمات.
وأوضح عادل، أن توحيد وحدة الرسوم العامة للدولة داخل نظام واحد يعد خطوة أساسية، حيث يحد من الفساد الإداري، ويمنع التوريد الفردي المباشر إلى وزارة المالية، ما دفع الدولة إلى تطبيق نظام موحد لتحصيل الرسوم من خلال وزارة المالية، والتي تتولى لاحقًا إعادة توزيعها على الجهات المعنية، لافتًا إلى أن هذا التوجه يعزز من النزاهة، ويقلل من حالات السرقة والاحتيال على المال العام.
كما شدد على أهمية التكامل بين الحكومة والبنك المركزي لدعم التحول الرقمي، والاعتماد على الأنظمة الإلكترونية والتطبيقات الذكية في تقديم الخدمات، ما يسهم في تقليل التعامل المباشر بين المواطنين والموظفين، ويوفر مزايا عدة من بينها:- (سرعة الأداء، وتقليل مخاطر التعاملات الفردية، وضمان تدفق الأموال مباشرة من الأفراد إلى خزينة الدولة).

دور البنوك في إقناع العاملين في الاقتصاد غير الرسمي
وفيما يتعلق بدور البنوك في إقناع العاملين في الاقتصاد غير الرسمي بفتح حسابات مصرفية، أشار عادل إلى أن تسهيل استخدام التطبيقات المصرفية وفرض رسوم مخفضة أو حتى مجانية، يمكن أن يكون حافزًا قويًا.
وأوضح أن تطبيق "إنستاباي" جذب عددًا كبيرًا من المواطنين بفضل التحويلات اللحظية، إلا أن فرض رسوم – ولو كانت رمزية – تسبب في تراجع استخدامه من قبل البعض، قائلًا رغم أن الرسوم صغيرة، واحد في الألف، إلا أن كثيرين يتساءلون لماذا لا يمكن توسيع حدود المعاملات لتجنب تنفيذ عملية تحويل كبيرة على أكثر من مرة؟ على سبيل المثال، إذا أراد أحد تحويل 300 ألف جنيهًا، عليه تقسيمها إلى أربع معاملات، كل منها بـ20 جنيهًا رسوم، وهذا يمثل عبئًا على العميل.
وأضاف أن البعض تراجع عن استخدام التطبيق، بسبب الرسوم المتكررة على أبسط الإجراءات، مثل مجرد الاطلاع على الرصيد، ما اعتبره البعض غير مبرر، وأشار إلى أن هناك فئة من المواطنين لا تزال تستخدم "إنستاباي"، ولكن آخرين فضلوا التعامل المباشر مع البنوك، مؤكدًا أن الفئات ذات الدخل المحدود تتأثر بفروق الرسوم حتى وإن كانت 20 أو 30 جنيهًا.
تسهيل التعامل بين الحسابات البنكية وتحسين كفاءة التحويلات
وعن توسيع انتشار البنوك، أوضح عادل ضرورة وجود فروع للبنوك في كل مكان، مع تسهيل التعامل بين الحسابات البنكية، وتحسين كفاءة التحويلات، ما يدعم أهداف الشمول المالي، مشددًا على أن الدولة قادرة على تقديم هذه الخدمات مجانًا، دون أن تتحمل أعباء كبيرة.
ولفت إلى أن معظم المدفوعات الحكومية، أصبحت تتم عبر التطبيقات الرقمية مثل "إنستاباي"، الذي يعد الآن أداة رئيسية لدفع فواتير الكهرباء والمياه والغاز والهاتف، في خطوة قوية نحو تحقيق الشمول المالي، مضيفًا أن المواطنين لم يعودوا بحاجة للذهاب إلى البنوك، فمعظم المعاملات تُنجز إلكترونيًا.
وتوقع عادل أن تشهد الفترة المقبلة، المزيد من الخطوات لدمج الاقتصاد غير الرسمي، والذي تقدر قيمته بنحو 9 تريليونات جنيه، ضمن الاقتصاد الرسمي، معتبرًا هذا الرقم ضخمًا للغاية.
وأشار إلى ما ذكره صندوق النقد الدولي، بشأن عدم وجود أزمة حقيقية في الدولار بمصر، موضحًا أن هناك نحو 90 مليار دولار خارج المنظومة الرسمية والبنوك، وهو ما يبرز أهمية تعزيز الشمول المالي والرقمنة لاستيعاب هذه الكتلة الضخمة داخل الاقتصاد الرسمي.
اقرأ أيضًــا:-
تفاصيل رسوم الترخيص المؤقت للمشروعات الصناعية التابعة للاقتصاد غير الرسمي
تشجع دمج الاقتصاد غير الرسمي.. الضرائب تشرح تفاصيل حزمة التسهيلات الضريبية
تفاصيل لائحة قانون تنمية المشروعات ورسوم الترخيص المؤقت للاقتصاد غير الرسمي
Short Url
وزير السياحة يشارك في ندوة الحج بالسعودية ويتابع استقبال الحجاج المصريين
02 يونيو 2025 01:17 ص
إنجاز هندسي غير مسبوق، "المقاولون العرب" ترفع أكبر فندق عائم بـ«بحيرة ناصر» بوزن 3200 طن
02 يونيو 2025 12:40 ص
الممثل القانوني لـ"نوال الدجوي" يكشف تفاصيل فض وصية شقيقتها الراحلة
01 يونيو 2025 11:58 م


أكثر الكلمات انتشاراً