السبت، 14 يونيو 2025

11:10 م

التزييف العميق، هل تهدد الأكاذيب المصنعة استقرار الأسواق وثقة المجتمعات؟

السبت، 14 يونيو 2025 09:30 ص

التزييف العميق

التزييف العميق

مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لم يعد العالم مهددًا فقط بالمعلومات الخاطئة، بل بموجات منظمة من الأكاذيب البصرية والصوتية عالية الجودة، تُعرف بتقنية التزييف العميق (Deepfake)، والتي باتت تفرض نفسها كلاعب غير مرئي، لكنه بالغ التأثير، في الاقتصاد، السياسة، وحتى العلاقات الاجتماعية.

الاحتيال الإلكتروني

فعلى غرار ما شهدته الأسواق الأميركية في مايو 2023، حين تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز مؤقتًا إثر صورة زائفة لانفجار قرب البنتاجون، يُدرك المستثمرون اليوم أن التهديد لا يأتي فقط من المؤشرات الاقتصادية أو الأزمات الجيوسياسية، بل من مقطع فيديو أو صورة يمكن أن تُنتَج في دقائق، وتنشر الذعر في ثواني.

التقنية تتقدم والرقابة تتعثر

وفقاً لبيانات شركة Signicat، ارتفعت محاولات الاحتيال باستخدام مقاطع مزيفة بأكثر من 20 ضعفًا خلال ثلاث سنوات فقط، مما يكشف عن عجز نسبي في البنية الرقابية، سواء من ناحية القوانين أو الأدوات التقنية الكاشفة.

وفي الوقت الذي تُسارع فيه الحكومات إلى تشريع قوانين لمكافحة الظاهرة، كما فعلت إدارة ترامب مؤخرًا بتوقيع قانون "Take It Down"، فإن التقنية تتقدم بخطى أسرع من التنظيم.

لكن الخطر الأكبر، أنه لا يكمن فقط في تصنيع الوقائع، بل في تقويض مصداقية الأدلة الحقيقية، فالإنكار المعقول أصبح ملاذًا جديدًا لأي متورط، إذ يستطيع أن يشكك في أي محتوى بصري أو صوتي ضده بالقول: "هذا مفبرك".

اقرأ أيضًا:

“الاحتيال من داخل البيت”: العملاء العاديون يتحولون إلى أكبر مصدر تهديد إلكتروني (فيديو)

45 مليون دولار خسائر، مستريح رقمي يحتال على مستخدمي منصة "كوين بيس"

أبعاد اقتصادية بين الشك والثقة

في بيئة اقتصادية شديدة الحساسية للمعلومات، يصبح للتزييف العميق تداعيات محتملة على:

أسواق المال: يمكن لفيديو مفبرك لرئيس بنك مركزي أو مدير تنفيذي أن يدفع الأسواق للانهيار أو الارتفاع دون أساس.

ثقة المستهلك والمستثمر: تفشي مقاطع زائفة حول إفلاس شركات كبرى أو حدوث كوارث صناعية يمكن أن يزعزع قرارات الشراء أو الاستثمار.

المؤسسات المالية: من خلال استخدام هويات صوتية وصورية مزيفة، بات بإمكان المحتالين خداع المصارف وشركات الدفع لتحويل أموال بطرق يصعب تتبعها.

التزييف الإلكتروني

البنية التحتية للمصداقية مهددة

إن التحول الأعمق الذي يفرضه التزييف العميق هو ضرب ما يمكن تسميته بالبنية التحتية للمصداقية، أي المعايير التي بنت عليها المجتمعات الحديثة آليات التوثيق والإقناع. 

من الصحافة إلى القضاء، ومن العمليات الانتخابية إلى العلاقات التجارية، باتت الصور والفيديوهات والتسجيلات محل شك دائم.

وكلما زاد انتشار هذا التلاعب، زادت التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لمحاولة إثبات الحقيقة الأصلية، أي أن التزييف لا يستهدف الحقائق فقط، بل يُرهق المؤسسات التي تسعى إلى إثباتها.

اقرأ أيضًا:

مكتب التحقيقات الفيدرالي: "16.6 مليار دولار" نتاج عمليات الاحتيال الإلكتروني خلال 2024

بعد إنتشار النصب الإلكتروني طريقة تحمي بها نفسك من الإحتيال

 

الحل تكنولوجي وثقافي

رغم الجهود المبذولة من شركات مثل مايكروسوفت وجوجل وميتا لتطوير أدوات لكشف الفبركة عبر تحليل الظلال أو البكسلات، فإن السباق غير متكافئ، فالمحتوى الزائف أسرع انتشارًا، وغالبًا ما يترك أثرًا قبل أن يُكذب.

لذلك، تكمُن مواجهة التزييف العميق في بُعدين:

تقني تنظيمي: يتطلب الأمر تحالفًا عالميًا لتوحيد قواعد الكشف والإبلاغ، وتضمين علامات مائية رقمية داخل كل محتوى مولد بالذكاء الاصطناعي.

ثقافي توعوي: ما لم يتحلى المستخدمون بالشك البنّاء والوعي الرقمي، فإن أي تشريع سيظل جزئيًا فالمجتمعات بحاجة إلى ثقافة تحقق، لا ثقافة استهلاك سريع للمحتوى.

التزييف العميق ليس مجرد ظاهرة تكنولوجية، بل تحدي حضاري شامل، إنه يهدد الاقتصادات الحرة، ويزعزع الثقة المجتمعية، ويُدخل العالم في مرحلة ما بعد الحقيقة، حيث لا يكون السؤال هل هذا صحيح؟ بل هل يُمكن الوثوق بأي شيء؟، وفي هذه المرحلة، لا يكفي أن نقاوم التقنية بالتقنية، بل يجب أن نعيد تعريف الثقة نفسها.

Short Url

search