الثلاثاء، 17 يونيو 2025

11:05 م

بين هواجس ترامب وتحديات الجغرافيا السياسية، هل تعيد ألمانيا ذهبها من أميركا؟

الثلاثاء، 17 يونيو 2025 06:44 م

دونالد ترامب

دونالد ترامب

في خطوة تعكس تصاعد القلق من التحولات الجيوسياسية وتوترات السياسة النقدية، تتعالى الأصوات في ألمانيا مطالبة باستعادة جزء من احتياطي الذهب المخزن في الولايات المتحدة، وتحديدًا في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. 

البنك المركزي الألماني

هذه الدعوات تأتي في وقت حساس، وسط عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي الأميركي وتزايد الشكوك حول استقلالية الفيدرالي الأميركي والتزامات واشنطن تجاه حلفائها.

 

ذهب الحرب الباردة يعود إلى الواجهة

منذ خمسينيات القرن الماضي، حين راكمت ألمانيا احتياطيات هائلة من الذهب بفضل ازدهار صادراتها، تم تخزين جزء كبير منها في نيويورك، حيث شكل ذلك خيارًا استراتيجيًا في ذروة الحرب الباردة لإبعاده عن أي تهديد سوفيتي محتمل. 

كما عزز الذهب حينها التحالف العسكري العابر للأطلسي، وارتبط رمزيًا بشبكة القواعد الأميركية المنتشرة على الأراضي الألمانية.

لكن الزمن تغير، واليوم في ظل حرب روسية جديدة تدور رحاها على حدود أوروبا، وتراجع الثقة في مؤسسات الحكم الأميركية بعد سنوات من الخطاب الشعبوي والقرارات الأحادية، تعود قضية الذهب الألماني إلى واجهة الجدل.

اقرأ أيضًا:

بسبب الرسوم الجمركية، توقعات بركود الاقتصاد الألماني في 2025

من الغاز الروسي إلى الاندماج النووي، ألمانيا تعيد رسم خريطة أمنها الطاقي

 

ترامب مصدر قلق وليس مجرد رئيس 

أحد أبرز محركات هذه المطالب هو القلق المتزايد من نهج دونالد ترامب تجاه المؤسسات الأميركية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي، الذي دخل في صدامات متكررة معه خلال فترة رئاسته. 

ترامب، المعروف بمواقفه اللا تقليدية وسياساته الاقتصادية الحمائية، لا يخفي رغبته في ممارسة نفوذ أكبر على الفيدرالي وهو ما يثير تساؤلات في أوروبا حول أمن أصولها المحفوظة في الولايات المتحدة، خصوصًا تلك ذات الطابع الاستراتيجي مثل الذهب.

يريد ترامب السيطرة على الاحتياطي الفيدرالي، ما يعني أيضًا السيطرة على احتياطيات الذهب الألمانية في الولايات المتحدة، حيث في الوقت الراهن لم تعد الولايات المتحدة الشريك الموثوق الذي كانت عليه.

الذهب والولايات المتحدة

بنك مركزي بين مطرقة السياسة وسندان الجغرافيا

حتى الآن، لا يظهر البنك المركزي الألماني ميلاً لإعادة الذهب بشكل رسمي، مؤكدًا أن الفيدرالي الأميركي لا يزال موقعًا مهمًا لتخزين الذهب، وأنه شريك موثوق يُعتمد عليه. 

لكن هذا الموقف لا يمنع استمرار عمليات التفتيش والتدقيق، حيث كشف البوندسبنك أنه يقوم بفحص عينات دورية تشمل نحو 13% من الذهب المخزن في نيويورك.

غير أن هذا التوازن الدقيق بين الحفاظ على العلاقات عبر الأطلسي، ومجاراة مخاوف الداخل الألماني، يعكس عمق الحرج السياسي الذي يواجهه البنك، أي إعلان صريح عن نية نقل الذهب قد يُفهم كصفعة دبلوماسية موجهة إلى واشنطن، ويهدد بتقويض ثقة الأسواق والمؤسسات بالحلف الغربي.

اقرأ أيضًا:

ألمانيا أمام ركود اقتصادي في 2025.،توقعات سلبية مع أمل في التعافي بداية من 2026

ألمانيا، القوة اللوجستية الأولى والقلب النابض للاقتصاد الأوروبي

الحسابات الجيوسياسية تتعقد

الأزمة لا تتعلق بالذهب فحسب، بل بمكانة ألمانيا في النظام العالمي، فمع صعود روسيا من جديد كتهديد أمني، وعودة الحمائية الأميركية، تجد برلين نفسها مضطرة لإعادة التفكير في مدى اعتمادها على واشنطن، ليس فقط كضامن أمني، بل أيضًا كوصي على أصولها الاستراتيجية.

في عام 2017، كانت ألمانيا قد استعادت 300 طن من ذهبها من نيويورك، تحت عنوان بناء الثقة في الداخل، واليوم، تتجدد الضغوط وسط إعلام محلي بدأ بدوره يطرح تساؤلات حادة، كما فعلت قناتا ZDF وARD، حول مدى أمان الذهب الألماني في نيويورك.

ألمانيا

ما التالي؟

السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القصير هو التريث، مع استمرار الضغوط الشعبية والإعلامية، مقابل تمسك رسمي بعدم المساس بمبدأ الثقة المتبادلة مع الولايات المتحدة. 

الذهب ليس مجرد معدن، في ألمانيا، كما في بقية أوروبا، هو رمز للسيادة والاستقرار، وإذا ما تحول إلى أداة ضغط أو ورقة مساومة في لعبة النفوذ العالمية، فقد نكون أمام فصل جديد من حرب باردة مالية لم تُكتب فصولها الأخيرة بعد.

Short Url

showcase
showcase
search