بين الروبوت والصحفي، معركة وجودية تهدد جوهر المهنة
الإثنين، 26 مايو 2025 03:11 م

الذكاء الاصطناعي والصحافة
في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية بشكل يفوق قدرة البشر على التكيف الفوري، تتجه الصحافة العالمية إلى مفترق طرق غير مسبوق، فمع دخول الذكاء الاصطناعي إلى قلب غرفة الأخبار، لم تعد المهنة كما عهدناها، إذ تغير كل شيء من محرر المقال إلى منتج الصورة، حتى باتت الآلة لا تكتب فقط، بل تفكر وتقرر وتنشر.

هنا تطرح الأسئلة نفسها بقوة: هل سينقذ الذكاء الاصطناعي الصحافة من أزماتها المتراكمة؟ أم أنه يهدد بتقويض أساساتها من حيث لا نشعر؟
الذكاء الاصطناعي يعيد رسم غرف الأخبار
تشير بيانات وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن 70% من المؤسسات الإعلامية باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مراحل متعددة من صناعة المحتوى، بدءًا من التحرير إلى التصميم والنشر.
وفي الوقت ذاته، خفضت مؤسسات عريقة مثل "بي بي سي" و"رويترز" زمن إنتاج الأخبار بنسبة تصل إلى 20%، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التي لا تكل ولا تمل.
لكن المسألة لا تتوقف عند حدود السرعة أو خفض التكاليف، فبحسب "ماكينزي"، يمكن أن ترتفع إنتاجية غرف الأخبار بنسبة 30% عبر أتمتة المهام التكرارية، وفي عصر الأخبار العاجلة والمعلومات المتدفقة، تمثل هذه النسبة فرصة استثنائية لإعادة التوازن بين الكم والكيف.
اقرأ أيضًا:
من التنفيذ إلى التفكير، الذكاء الاصطناعي يدخل مرحلة ابتكار الحلول
شطرنج العقول، «وادي السيليكون» يشعل سباق استقطاب نوابغ الذكاء الاصطناعي
السوق الإعلامي.. فرصة استثمارية صاعدة
التحول الرقمي في الإعلام لم يعد خيارًا، بل أصبح شرط بقاء، وتُظهر بيانات شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام والترفيه بلغ 13.3 مليار دولار عام 2023، مع توقعات بتجاوزه 55 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي يبلغ نحو 27%.
هذا النمو المتسارع يدفع 85% من شركات الإعلام إلى التخطيط لزيادة استثماراتها في أدوات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ورغم هذه القفزة النوعية، إلا أن هذه الأرقام تخفي وراءها مخاوف هيكلية، أبرزها مستقبل الوظائف الصحفية التقليدية، إذ لم تعد الخبرة وحدها كافية، بل باتت المهارة الرقمية شرطًا أساسيًا للنجاة.

المعادلة الأخلاقية.. الإنسان في مواجهة الخوارزمية
بينما يحتفل البعض بما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي من كفاءة ودقة، تُثار مخاوف عميقة بشأن التحيز الخوارزمي وطمس البعد الإنساني في السرد الصحفي.
فبحسب معهد MIT، بعض خوارزميات التحرير قد تعكس تحيزات ضمنية تؤثر على التغطية الإعلامية، خصوصًا في قضايا حساسة كالهجرة والعدالة العرقية، فهو آلة أو بمعنى أخر تقنية تكنولوجية تفتقر لأي مبادئ ومعايير أخلاقية.
ورغم أن أقل من 7% من الصحفيين يشعرون بخطر فقدان وظائفهم لصالح الآلة وفق مؤسسة "بوينتر"، إلا أن 56% من العاملين في القطاع يؤيدون فرض قيود على استخدام الذكاء الاصطناعي، خشية طغيان الآلة على الروح الصحفية، بينما يدعو 45% من مديري الأخبار إلى ضرورة تدريب الكوادر لمواكبة التحولات التقنية بأخلاقيات عالية.
اقرأ أيضًا:
الذكاء الاصطناعي واللغة العربية، سباق تقني يتسارع في العالم العربي بـ15 مليون دولار
"الذكاء الاصطناعي" يكشف عن أدوات للتغلب على اضطرابات الكتابة عند الأطفال
بين الدعم والاستبدال.. من يرسم ملامح المرحلة المقبلة؟
إذًا، هل الذكاء الاصطناعي شريك ذكي أم خصم خطير؟ في الواقع، تعتمد الإجابة على زاوية النظر، فمن ناحية، بإمكانه أن يدقق ويحلل ويقارن ويوفر الوقت، لكن من ناحية أخرى، لا يمكنه أن يلتقط لحظة الصدق، أو يحس بنبض الميدان، أو يفهم معاناة الضحية من بين السطور.
سيؤدي ذلك إلى انتشار أخبار تحتوي على مجرد كلام انشائي وليس ذات جودة، فالمقال قد يُكتب آليًا، لكن معناه يُولد إنسانيًا.
صحيفة "الجارديان" كانت من الأوائل في احتضان هذه الشراكة، فدمجت أدوات الذكاء الاصطناعي في غرفها التحريرية، وحققت نتائج لافتة، تحسين جودة التغطيات بنسبة 15%، وتقليص الأخطاء بنسبة 20%.

خلاصة اقتصادية وإنسانية
الذكاء الاصطناعي ليس قنبلة تهدد الصحافة، بل فرصة لإعادة هندسة المهنة، إذا ما تم التعامل معه بحكمة ورؤية طويلة الأمد، فالتحدي لا يكمن في الأداة، بل في طريقة استخدامها، الصحافة لن تُلغى، لكنها ستتغير، ومفتاح هذا التغيير يكمن في تحقيق توازن دقيق بين القوة التقنية والمسؤولية الأخلاقية.
نعم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحرر النص، لكن لا يمكنه أن يمنحه روحًا، وحده الصحفي، بمشاعره وتجربته، قادر على ذلك، فالصحافة لم تكن يومًا مجرد مهنة، بل كانت دومًا رسالة، والرسائل لا توصلها الخوارزميات... بل القلوب.
Short Url
من الذكاء الاصطناعي لـ التغير المناخي، فرص مصر في مواجهة التحديات العالمية
28 مايو 2025 12:33 م
من البطالة لـ الدين العام، العجز الفيدرالي يقود أمريكا إلى أزمة اقتصادية مدمرة
28 مايو 2025 10:28 ص
إيطاليا تنزف صناعيًا، والمصانع على وشك الانهيار بسبب فواتير الكهرباء
27 مايو 2025 03:29 م


أكثر الكلمات انتشاراً